المنشورات

النجباء من أولاد السراري

ويروى عن رجل من قريش -لم يسمّ لنا- قال: كنت أجالس سعيد بن المسيّب، فقال لي يوماً: من أخوالك? فقلت: أمي فتاةٌ، فكأنّي نقصت في عينه، فأمهلت حتى دخل عليه سالم بن عبد الله بن عمر الخطاب رضي الله عنه، فلما خرج من عنده قلت: ياعمّ! من هذا? فقال: يا سبحان الله! أتجهل مثل هذا من قومك! هذا سالم بن عبد الله بن عمر، قلت: فمن أمه? قال: فتاةٌ، قال: ثم أتاه لقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنده، فجلس عنده ثم نهض، فقلت: ياعمّ من هذا? فقال: أتجهل من أهلك مثله! ما أعجب هذا! هذا القاسم بن محمد بن أبي بكر الصّديق، قلت: فمن أمه? قال: فتاةٌ، فأمهلت شيئاً حتى جاءه عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فسلّم عليه ثم نهض، فقلت: ياعمّ، من هذا? قال: هذا الذي لا يسع مسلماً أن يجهله! هذا عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قلت: فمن أمه? قال: فتاةٌ، قال، قلت يا عم! رأيتني نقصت في عينك لمّا علمت أني لأم ولد، أفما لي في هؤلاء إسوةٌ! قال: فجللت في عينه جداً.
وكانت أمّ عليّ بن الحسين "سلافة" من ولد يزدجرد، معروفة النّسب، وكانت من خيرات النّساء.
ويروى أنه قيل لعليّ بن الحسين رحمه الله: إنك من أبر الناس، ولست تأكل مع أمك في صفحة? فقال: أكره أن تسبق يدي إلى ما قد سبقت عينها فأكون قد عققتها.
وكان يقال له: ابن الخيرتين1 لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لله من عباده خيرتان، فخيرته من العرب قريشٌ، ومن العجم فارس".
وكانت سلافة عمّة أمّ يزيد النّاقص أو أختها.
وقال رجلٌ من ولد الحكم بن أبي العاصي، يقال له عبيد الله بن الحر وكان شاعرا متقدّماً، وكان لأمّ ولدٍ، وهو من ولد مروان بن الحكم:
فإن تك أمّي من نساءٍ أفاءها ... جياد القنا والمرهفات الصّفائح
فتباً لفضل الحرً إن لم أنل به ... كرائم أولاد النّساء الصّرائح
وإنما أخذ هذا من قول عنترة:
وأنا امرؤ منم خير منصباُ ... شطري2 وأحمي سائري بالمنصل
وأنشد لبلال بن جرير وبلغه ان موسى بن جرير كان إذا ذكره نسبة إلى أمه، لأنه ابن أمّولد، فيقول: ابن أم حكيمٍ فقال بلال:
يا ربّ خالٍ لي أغرّ أبلجا ... من آل كسرى يغتدي متوّجاً
ليس خالٍ لك يدعى عشنجاً
والعشنج: المتقبّض الوجه السيئ المنظر.
وكان سبب أم بلال عند جرير أن جريراً في أول دخوله العراق دخل على الحكم بن أيوب بن أبي عقيل الثقفي، وهو عمّ الحجاج، وعامله على البصرة، وفي ذلك يقول جرير:
أقبلن من ثهلان أو وادي خيم ... على قلاصٍ مثل خيطان السلم3
إذا قطعن علماً بدا علم ... حتى أنخناها إلى باب الحكم
خليفة الحجاج غير المتّهم ... في ضئضىء المجد وبحبوح الكرم
فكتب الحكم بعد أن فاطنه4 إلى الحجاج، وذلك في أول سببه: إنه قدم عليّ أعرابيٌّ ياقعةٌ1 لم أر مثله. فكتب إليه الحجاج أن يحمله معه، فما دخل عليه قال له: بلغني انك ذو بديهة، فقل في هذه الجارية -لجارية قائمةٍ على رأسه- فقال جريرٌ: مالي أن أقول فيها حتّى أتأملها، ومالي أن أتامل جارية الأمير! فقال: بلى، فتأمّلها واسألها. فقال لها: ما اسمك يا جارية? فأمسكت، فقال لها الحجاج: خبّرية يا لخناء، فقالت: أمامة، فقال جريرٌ:
ودّع أمامة حان منك رحيل ... إنّ الوداع لمن تحبّ قليل
مثل الكثيب تمايلت أعطافه ... فالرّيح تجبر متنه وتهيل
هذي القلوب صوادياً تيّمتها ... وأرى الشّفاء وما إليه سبيل
فقال له الحجاج: قد جعل الله لك السبيل إليها، خذها هي لك. فضرب بيده إلى يدها، فتمّنعت عليه، فقال:
إن كان طلبّكم الدّلال فإنه ... حسنٌ دلالك يا أمام جميل
[ش: ينصب "الطّبّ" ورفع "الدّلال"، وبالعكس، برفع "الطب" ونصب الدلال. والطّبّ هنا: المذهب، والّدلال: الدّالّة] .
فاستضحك الحجاج، وأمر بتجهيزها معه إلى اليمامة.
وخبرت أنها كانت من أهل الرّيّ، وكان إخوتها أحراراً، فاتّبعوه، فأعطوه بها حتى بلغوا عشرين ألفاً، فلم يفعل، ففي ذلك يقول:
إذا عرضوا عشرين ألفاً تعرضت ... لامً حكيم حاجةٌ هي ماهيا
ردت أهل الرّي عندي مودّة ... وحبّبت أضعافاً إليّ المواليا
فأولدها حكيماً وبلالاً وحزرة، بني جرير، هؤلاء من أذكر من ولدها.
ويقال: إنّ الحمّانيّ2 قاول بلالاُ ذات يوم فيما كان بينهما من الشرّ، فقال: يا ابن أم حكيم، فقال له بلالٌ: ما تذكر من ابنة دهقان، وأخيذة رماح، وعطيّة ملكٍ? ليست كأمّك التي بالمرّوت3، تغدو على أثر ضأنها، كأنما عقباها حافرا حمار، فقال له الحمّانيّ: أنا أعلم بأمّك، إنما عتب عليها الحجّاج في أمر، الله أعلم به، فحلف أن يدفعها إلى ألأم العرب، فلما رأى أباك لم يشكك فيه.
وقال: أنشدت لرجل من رجّاز بني سعدٍ:
أنا ابن سعدٍ وتوسّطت العجم ... فأنا فيما شئت من خالٍ وعم
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليس قومٌ أكيس من أولاد السّراريّ، لأنهم يجمعون عزّ العرب ودهاء العجم.













مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید