المنشورات

أخبار أبي خراش الهذلي وشعره

وجاور عروة بن مرة أخو أبي خراشٍ الهذلي ثمالة من الأزد، فجلس يوماً بفناء بيته آمناً يخاف شيئاً، فاستدبره رجلٌ منهم من بني بلالٍ بسهم، فقصم صلبه، ففي ذلك يقول أبو خراشٍ:
لعن الإله وجوه قومٍ رضعٍ ... غدروا بعروة من بني بلالٍ
وأسر خراش بن أبي خراشٍ؛ أسرته ثمالة، فكان فيهم مقيماً، فدعا آسره يوماً رجلاً منهم للمنادمة، فرى ابن أبي خراشٍ موثقاً في القد، فأمهل حتى قام الآسر لحاجة، فقال المدعو لابن أبي خراشٍ: من أنت? قال: أنا أبن أبي خراشٍ، فقال: كيف دليلاكَ? قال: قطاةٌ، قال: فقم فاجلس ورائي، وألقى عليه رداءه، ورجع صاحبهُ، فلما رأى ذلك أصلت بالسيف، وقال أسيري. فنثل1 المجير كنانته، وقال: والله لأرمينك إن رمته، فني قد أجرته. فخلى عنه، فجاء إلى أبيه، فقال له: من أجارك? فقال: والله ما أعرفه، فقال أبو خراشٍ، وقال الرواة: لا نعرفُ أحداً مدح من لا يعرف غير أبي خراش:
حمدتُ إلهي بعد عروة إذ نجا ... خراشٌ وبعض الشر أهون من بعضِ
فوالله لا نسى قتيلاً رزيته ... بجانب قوسي ما مشيت على الأرضِ
بلى إنها تعفو الكلوم وإنما ... يوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي
ولم أدر من ألقى عليه رداءه ... على أنه قد سل عن ماجد محضِ
ولم يك مثلوج الفؤاد مهيجاً ... أضاع الشباب في الربيلة والخفض2
ولكنه قد لوحته مخامص ... على أنه ذو مرةٍ صادق النهضِ
كأنهم يسعون في إثر طائر ... خفيف المشاش عظم غير ذي نحضِ1
يبادر جنح الليل فهو مهابذ ... يحث الجناح بالتبسط والقبض
قوله:
قبح الإله وجوه قوم رضع
فهو جماعة راضع. وقوم يقولون: هو توكيد للئيم، كما يقولون: جائع نائع، وحسن بسن، وعطشان نطشان، وأجمع أكنع. وقوم يقولون الراضع هو الذي يرتضع من الضرع لئلا يسمع الضيف أو الجار صوت الحلب فيطلب منه.
وتديق ذلك ما أنشدناه أبو عثمان عمرو بن بحرٍ لرجلٍ من الأعراب ينسب ابن عم له إلى اللؤم والتوحش:
أحب شيءٍ إليه أن يكون له ... حلقوم وادٍ له في جوفهِ غارُ
لا تعرف الريح ممساه ومصحبه ... ولا يشب إذا أمسى له نارُ
لا يحلب الضرع لؤماً في الإناء ولا ... يرى له في نواحي الصحن آثار
وقوله: كيف "دليلاك" فهي كثرة الدلالة، و"الفعيلي" إنما تستعمل في الكثرة، ويقال: القتيتي لكثرة النميمة، ويقال: الهجيري لكثرة الكلمة المترددة على لسان الرجل، يقال: ذكرك هجيراي، أي هو الذي يجري على لساني، وفي الحديث: "كان هجيري أبي بكر الصديق رحمه الله بلا إله إلا الله" ويقال: كان بينهم رميا، لكثرة الرمي، وكذلك كل ما أشبه هذا.
وقوله: "بجانب قوسي" فهو بلد تحله ثمالة بالسراة.
وقوله: "بلى إنها تعفو الكلوم" فهي الجراح والآثار التي تشبهها، قال جرير:
تلقى السليطي والأبطال قد كلموا ... وسط الرجال سليماً غير مكلومِ2
وينشد: "وسط الرجال". وتعفو تدرسُ.
وقوله: "عظمه غير ذي نحض"، النحض: اللحم، يقال: يأكل ويروي الرجال محضاً.
وقوله: "فهو مهابذ" يقول: مجتهد. وهذيل فيها سعي شدي، وفي جماعة من القبائل التي تحل بأكناف الحجاز.











مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید