المنشورات
محمد بن عبد الله الثقفي
قال محمد بن عبد الله بن نميرٍ الثقفي:
لم تر عيني مثل سربٍ رأيته ... خرجن من التنعيم معتجرات
مررن بفخ ثم رحن عشيةً ... يلبين للرحمن مؤتجراتِ
تضوع مسكا بطن نعمانَ أن مشتْ ... به زينب في نسوةٍ عطراتِ
وقامت تراءى يوم جمعٍ فأفتنت ... برؤيتها من راح من عرفاتِ
ولما رأت ركبَ النميري أعرضت ... وكن من أن يلقينه حذراتِ
دعت نسوةً شمَّ العرانين بدناً ... نواعمَ لاشعثاً ولا غبراتِ1
فأدنين لما قمنَ يحجبن دونها ... حجاباً من القسي والحبراتِ
أحل الذي فوق السمواتِ عرشهُ ... أوانس بالبطحاء معتمراتِ
يخبئن أطراف البنانِ من التقى ... ويخرجن جنح الليل مختمراتِ
قوله: "مثل سربٍ رأيتهُ"، هو القطعة من النساء، أو من الظباءِ، أو من البقرِ، أو من الطير، كما قال:
لم تر عيني مثل سربٍ رأيته ... خرجن علينا من زقاق ابن واقف
فهذا يعني نساءً2. ويقالُ: مرت بنا سربةٌ من الطير، في هذا المعنى، قال ذو الرمةِ:
سوى ما أصاب الذئب منه وسربةٌ ... أطافت به من أمهاتِ الجوازلِ
ويقال: فلانٌ واسعٌ السربِ، يعني بذلك الصدرَ، ويقال: خل لفلانٍ سربهُ، أي طريقه الذي يسربُ فيه، ويقال للإبل كذلك بالفتح: لأذعرن سربكَ.
ويقال: حذراتُ، حذراتُ، ويقظٌ، ويقُظٌ؛ قال ابن أحمر:
هل ينسئن يومي إلى غيره ... أني حوالي وأني حذرُ
وقوله:
وكنّ من أن يلقينه حذراتِ
الأصل "من أن يلقينه" ولكن الهمزة إذا خففت وقبلها ساكنٌ ليس من حروف اللين الزوائد، فتخفيفها - متصلة كانت أو منفصلة - أن تلقي حركتها على ما قبلها وتحذفها، تقول: من أبوك?، فتفتح النون وتحذف الهمزة، ومن أخوانك?، ومن أم زيدٍ?؛ فتضم النون وتكسرها وتفتحها، على ما ذكرت لك، وتقول: {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ} 1 وفلانٌ له هيةٌ، وهذه مرةٌ، إذا خففت الهمزة في الخبء والهيئة والمرأةِ، وعلى هذا قوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ} 2 لأنها كانت اسأل فلما حركت السين بحركةِ الهمزة سقطت ألف الوصلِ، لتحرك ما بعدها، وإنما كان التخفيف في هذا الموضع بحذف الهمزةِ، لأن الهمزةَ إذا خففت قربت من الساكن، والدليل على ذلك أنها لا تبتدً إلا محققة، كما لا يبتدأ إلا بمتحركٍ، فلما التقى الساكن وحروف تجري مجرى الساكن حذفت المعتل منها، كما تحذف لالتقاء الساكنين.
وقوله: "دعت نسوةٌ شم العرانين"، الشماء السابقة الأنف، والمصدر الشمم.
وقال أحد الشعراء يمدح قثم بن العباس:
نجوت من حلٍّ ومن رحلةٍ ... يا ناق إن قربتني من قثمْ
إنكِ إن قربتنيه غداً ... عاش لنا اليسر وماتَ العدمْ
في باعهِ طولٌ وفي وجههِ ... نورٌ وفي العرنين منه شممْ
لم يدرِ ما لا وبلى قد درى ... فعافها واعتاض منها نعمْ
قال أبو الحسن: أنشدنيه أبي لسليمان بن قتة، وزادني:
أصم عن ذكر الخنا سمعهُ ... وما عن الخير به من صممْ
والعرنين والمرسن والأنف واحدٌ، لما يحيط بالجميع.
والبدن: واحدها بادنٌ كقولك: شاهدٌ وشهدٌ، وضامرٌ وضمرٌ، ن وهو العظيم البدنِ، يقالُ: بدن فلانٌ، إذا كثر لحمه، وبدنَ، إذا أسنَّ. وفي الحديثِ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إني قد بدنت، فلا تسبقوني بالركوع والسجود1".
والأشعث والشعثاء: الخاليان من الدهن، وكان عمر بن عبد العزيز يتمثل:
من كان حين تمس الشمس جبهته ... أو الغبارُ يخاف الشين والشعثا
ويألف الظل كي تبقى بشاشته ... فسوف يسكن يوماً راغماً جدثا
قال أبو الحسن، وزادني أبي:
في بطنِ مظلمةٍ غبراءَ مقفرةٍ ... كيما يطيل بها في بطنها اللبثا
تجهزي بجهازٍ تبلغين به ... يا نفس واقتصدي لم تخلقي عبثا
مصادر و المراجع :
١- الكامل في اللغة والأدب
المؤلف: محمد بن
يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)
المحقق: محمد أبو
الفضل إبراهيم
الناشر: دار
الفكر العربي - القاهرة
الطبعة: الطبعة
الثالثة 1417 هـ - 1997 م
2 يونيو 2024
تعليقات (0)