المنشورات
عمر بن أبي ربيعة في أم عمر بنت مروان
وقال عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة1: ونظر إلى أم عمر بنت مروان بن الحكم، وكانت صارت إليه متنكرة، فرته وقضت من محادثته وطراً، ثم انصرفت، فلما رجعت من منى عرفها، فعلمت ذلك، فبعثت إليه: لا ترفع بي صوتاً، وأهدت له ألف دينار، فاشترى بها عطراً وبزاً وأهداه لها، فأبتْ أن تقبله، فقال: إذاً والله أنهبه فيكون أذيعَ له فقبلته، وفي ذلك يقول:
وكم من قتيلٍ لايباءُ به دمٌ ... ومن غلقٍ رهناً إذا ضمه منى
وكم مالىءٍ عينيه من شيء غيرهِ ... إذا راح نحو الجمرة البيضُ كالدمى
يجررن أذيال المروط بأسؤقٍ ... خدالٍ إذا ولين أعجازها روى
أوانس يسلبن الحليم فؤاده ... فيا طولَ ما حزنٍ ويا حسنَ مجتلى!
فلم أر كالتجمير منظرَ ناطرٍ ... ولا كليالي الحج أفتن ذا هوى
وفيها أيضاً يقول:
أيها الرائج المجد ابتكار ... قد قضى من تهمة الأوطارا
ليت ذا الحج كان حتماً علينا ... كل شهرين حجةً واعتمارا
قوله:
وكم من قتيل لا يباء به دمٌ
يقول: لا يقاد به قاتله، وأصل هذا أنه يقال: أبأت فلاناً بفلانٍ، فباء به، إذا قتلته به، ولا يكاد يتسعمل هذا إلا والثاني كفءٌ للأول، فمن ذلك قولُ مهلهلِ بن ربيعة، حيث قتل بجير بن الحارث بن عبادٍ، فقيل للحارث - ولم يكن دخل في حربم: إن ابنك قتلَ، فقال: إن ابني لأعظم قتيلٍ بركةً، إذ أصلح الله به بين ابني وائلٍ، فقيل له: إنه لما قتلَ قال مهلهلٌ: بؤ بشسعِ نعلِ كليبٍ1؛ فعند ذلك أدخل الحارث يه في الحرب، وقال:
قربا مربط النعامةِ مني ... لقحت حرب وائل عن حيال2
لا بجير أغنى قتيلاً ولا رهـ ... ـط كليب تزاجروا عن ضلالِ
لم أكن من جناتها علمَ اللهُ ... وإني بحرها اليوم صالي
وقالت ليلى الأخيليةُ:
فإن تكنِ القتلى بواءً فإنكم ... فتى ما قتلتم آل عوف بن عامرِ
وقال التغلبي3:
ألا تنتهي عنا ملوكٌ وتتقي ... محارمنا لا يبوء الدم بالدمِ
ويقال: باء فلانٌ بذنبهِ، أي. بخع به وأقر، قال الفرزدق لمعاوية:
فلو كان هذا الحكُ في غير ملككم ... لبؤت به أو غص بالماء شاربهْ
ويقال: باء فلانٌ بالشيء، من قولٍ أو فعلٍ، أي احتمله فصارَ عليه.
وقال المفسرون في قول الله جل وعزَّ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ} 4، أي يجتمعا5 عليك فتحملهما.
وأما قوله: "ومن غلقٍ رهنٍ1" فمن جر فهو من قولهم: رهن غلقٌ، فلما قدم النعت اضراراً أبدل منه المنعوتَ، ولو قال: "ومن غلقٍ رهناٌ" فنصب على الحال من المعرفة بقي الاسم المضمر فيغلق.
وقوله: إذا ضمهُ منى فإنما سميت منى لما يمنى فيها من الدم، يقالُ في المني - وهي النطفة - منى الرجلُ وأنى، والقراءةُ: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} 2 ويقال: مذى الرجلُ وأمذى، وودى وأودى، فقولهم: وذى، يعني البلةَ3 التي تكونُ في عقبِ البولِ كالمذي، وأما المذي فيعتري من الشهوةِ والحركةِ.
وقال علي بن أبي طالب رحمة الله: كل فحلٍ مذاءٌ.
ومن كلام العرب: كل فحلٍ يمذي وكل أنثى تقذي؛ وهو أن يكون منها مثل المذي ولمَنَى موضعٌ آخر، يقال: منى الله لك خيراً، أي قدر لك خيراً، ويقال: منى اللهُ أن ألقى فلاناً، أي قدرَ، والمنيةٌ من ذا، يقال: لقيض فلانٌ منيته، أي ما قدرَ له من الموت، فأما المنيئة بالهمزة فهي المدبغةُ، وهي المكان الذي يدبغ فيه.
وقوله:
إذا راح نحو الجمرة البيضُ كالدمى
الجمرة إنما سميت لاجتماع الحصى فيها، ومن ثم قيل: لا تجمروا المسلمين فتفتنوهم وتفتنوا نساءهم، أي لا تجمعوهم في المغازي، والتجمير التجميع. وكذلك قيل في جمراتِ العرب، وهم: بنو نمير بن عامرِ بن صعصعةَ، وبنو الحارث بن كعب بن علةَ بن جلدٍ، وبنو ضبةَ بن أدِّ بن طابخةَ، وبنو عبس بن بغيض بن ريثٍ. لأنهم تجمعوا في أنفسهم ولم يدخلوا معهم غيرهم. وأبو عبيدةَ لميعدد فيهم عبساً في كتاب الديباج ولكنهقال: فطفئت جمرتانِ، وهما بنو ضبةَ - لأنها صارت إلى الرباِ فحالفت - وبنو الحارثِ، لأنها صارت إلىمذحجٍ؛ وبقيت بنو نميرٍ إلى الساعة، لأنهالم تحالف، وقال النميري يجيب جريراً:
نميرٌ جمرةُ العربِ التي لم ... تزل في الحرب تلتهب التهابا
وإني إذا أسبُ بها كليباً ... فتحت عليهم للخسف بابا
وقال في هذا الشعرِ:
ولولا أن يقال هجا نميراً ... ولم تسمع لشاعرها جوابا
رغبنا عن هجاء بني كليبٍ ... وكيف يشتام الناس الكلابا!
مصادر و المراجع :
١- الكامل في اللغة والأدب
المؤلف: محمد بن
يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)
المحقق: محمد أبو
الفضل إبراهيم
الناشر: دار
الفكر العربي - القاهرة
الطبعة: الطبعة
الثالثة 1417 هـ - 1997 م
2 يونيو 2024
تعليقات (0)