المنشورات

إسحاق بن إبراهيم الموصلي

قال ابن الموصلي:
لعمري لئن حلئت عن منهلِ الصبا ... لقد كنتُ وراداً لمنهله العذبِ
ليالي أمشي بين برديَّ لاهيا ... أميس كغصنِ البانةِ الناعمِ الرطبِ
سلامٌ على سير القلاص مع الركب ... ووصل الغواني والمدامةِ والشربِ
سلام امرىءٍ لم تبق منه بقيةٌ ... سوى نظرِ العينين أو شهوة القلبِ
قوله: والشرب؛ يريد جمع شاربٍ، يقال: شاربُ وشربٌ، وراكبٌ وركبٌ، وتاجرٌ وتجرٌ، وزائرٌ وزورٌ، قال الطرماحُ:
حب بالزور الذي لا يرى ... منه إلا صفحةٌ عن لِمامِ
وهذا بابٌ متصل كثيرٌ، قال العجاجُ:
بواسطٍ أكرمُ دارٍ دارا ... واللهُ سمى نصرك الأنصارا
يريد أنصارك، فأخرجه على ناصرٍ ونصرٍ.
وقوله: "سلام امرىء" على البدلِ من قوله: "سلامٌ على سيرِ القلاص" وإن شئت نصبت بفعلٍ مضمرٍ، كأنك قلت: اسلمُ سلامَ امرىءٍ، لأنك ذكرت سلاماً أولاً، ومثل ذلك: له صوتٌ صوت حمارٍ، لأنك لما قلتَ: له صوتٌ دللت على أنه يصوتُ، كأنك قلت: يصوتُ صوتَ حمارٍ، وكذلك: "له حنينٌ حنينَ ثكلى" و:
له صريفٌ صريفَ القعوِ بالمسدِ
أي: يصرف صريفاً، فما كان من هذا نكرةً فنصبه على وجهين: على المصدر، وتقديره: يصرف صريفاً مثل صريف جملٍ، وإن شئتَ جعلتهُ حالاً، وتقديره؛ يخرجه في هذه الحال. وما كان معرفةً لم يكن حالاً ولكن على المصدر، فإن كان الأول في غير معنى الفعلِ لم يكن النصبُ البتة ولم يصلح إلا الرفع على البدل، تقول: له رأسٌ رأسُ ثورٍ، وله كفُّ كفُّ أسدٍ، فالمرتفعُ الثاني إذا كان نكرةً كان بدلاً أو نعتاً، وإذا كان معرفةً كان بدلاً ولم يكن نعتاً، لأن النكرة لا تنعت بالمعرفة، وكذلك إذا كان الأول ابتداء لم يجز إلا الرفعُ، لأن الكلام غير مستغن؛ وإنما يجوز الإضمار بعد الاستغناء، تقول: صوته صوتُ الحمار، وغناؤه غناء المجيدي، وكذلك إن خبرت بأمرٍ مستقر فيه اختيرَ الرفع، تقول: له علمٌ علمُ الفقهاء، وله رأيٌ رأيُ القضاة؛ لأنك إنما تمدحه بأن هذا قد استقر له، وليس الأبلغ في مدحه أن تخبر بأنك رأيته في حال تعلم. ويجوز النصب على أنك رأيته في حال تعلم فاستدللت بذلك على علمه، فهذا يصلحُ. والأجود الرفع. فإذا قتل: "له صوتٌ صوتَ حمارٍ"؛ فإنما خبرت أنه يصوتٌ، فهذا سوى ذلك المعنى.
ومما يختار فيه الرفعُ قولك: عليه نوحٌ نوحُ الحمامِ، وإنما أختير الرفع لأن الهاء في عليه اسم المفعولِ له، والهاءَ في له اسمُ الفاعلِ. ويجوز النصبُ على أنك إذا قلتَ: عليه نوحٌ دل النوحُ على أن معه نائحاً، فكأنك قلت: ينوحون نوح الحمامِ؛ فهذا تفسيرُ جميع هذه الأبواب.









مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید