المنشورات

نبذ من أقوال الحكمية

باب
قال أبو العباس: نذكر في هذا الباب من كل شيءٍ، ليكون فيه استراحةٌ للقارىء، وانتقالٌ ينفي الملل، لحسن1 موقع الاستطراف، ونخلط ما فيه من الجدّ بشيء يسيرٍ من الهزل، ليستريح إليه القلب، وتسكن إليه النفس.
نبذ من الأقوال الحكيمة
قال أبو الدّرداء رحمه الله: إني لأستجمُّ نفسي2 بشيء3 من الباطل ليكون أقوى لها على الحقِّ.
وقال عليُّ بن أبي طالب رحمه الله: القلب إذا أكره عمي.
وقال ابن مسعود4 رحمه الله: القلوب تملُّ كما تملُّ الأبدان فابتغوا لها ططرائف الحكمة.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: العلم أكثر من أن يؤتى على آخره، فخذوا5 من كل شيءٍ أحسنه.
وليس هذا الحديث من الباب الذي ذكرنا، ولكن نذكر الشيء بالشيء، إمَّا لاجتماعهما في لفظٍ، وإمَّ لاشتراكهما في معنى.
وقال الحسن -وليس من هذا الباب-: حادثوا هذه القلوب، فإنها سريعة الدُّثور، واقدعوا هذه الأنفس، فإنها طلعةٌ، وإنكم إلاّ تنزعوها تنزع بكم إلى شرّ غاية. وقد مضى تفسير هذا الكلام.
وقال أردشير بن بابك: إن للآذان مجَّةً، وللقلوب مللاً، ففرّقوا بين الحكمتين يسكن ذلك استجماماً.
وكان أنوشروان يقول: القلوب تحتاج إلى أقواتها من الحكمة كاحتياج الأبدان إلى أقواتها من الغذاء.
ويروى أنه أصيب في حكمة آل داود1: لا ينبغي للعاقل إن يخلي نفسه من واحدة من أربع: من عدّةٍ2 لمعادٍ، أو إصلاح3 لمعاش، أو فكرٍ يقف به على ما يصلحه مما يفسده، أو لذّةٍ في غير محرّمٍ يستعين بها على الحالات الثلاث.
وقال عبد الله بن عمر بن عبد العزيز لأبيه يوماً: يا أبة، إنك تنام نوم القائلة، وذو الحاجة على بابك غير نائمٍ? فقال له: يا بنيَّ، إنّ نفسي مطيّتي، فإن حملت عليها في التعب حسرتها.
تأويل قوله: "حسرتها": بلغت بها أقصى غاية الإعياء، قال الله جلَّ وعزَّ: {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} 4. وأنشد أبو عبيدة:
أنّ العسير بها داءٌ مخامرها ... فشطرها نظر العينين محسور
قوله: "فشطرها" يريد قصدها ونحوها، قال الله جلَّ وعزَّ: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} 5 [و] 6 قال الشاعر7:
لهنَّ الوجالم كنَّ عوناً على النَّوى ... ولا زال منها ظالعٌ وحسير
يعني الإبل، يقول: هي المفرِّقة، كما قال الآخر:
ما فرَّق الألاّف بعـ ... ـد الله إلاّ الإبل
ولا صاح غرا ... بٌ في الديار احتملوا
وما غراب البين ... إلاّ ناقة أو جمل
قال أبو الحسن: وزادني فيه غير أبي العباس:
والناس يلحون غرا ... ب البين لمَّا جهلوا
والبائس المسكين ما ... يطوى عليه الرِّحل
ويقال: إنه لأبي الشّيص.
فمن قال: "آلفٌ" للواحد قال للجميع1 "ألاّفٌ" كعمل وعمّالٍ، وشاربٍ وشرَّابٍ، وجاهلٍ وجهَّالٍ. ومن قال للواحد: إلفٌ، قال للجميع: آلافٌ، وتقديره: عدلٌ وأعدالٌ، وحملٌ وأحمالٌ. وثقلٌ وأثقالٌ.










مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید