المنشورات

أوس بن حجر: في شدة البرد وغلبة الشمال

 يرثي فضالة بن كلدة الأسدي:
والحافظ الناس في قحوط إذا ... لم يرسلوا تحت عائذ ربعا
وعزت الشمأل الرياح وقد ... أمسى كميع الفتاة ملتفعا1
وكانت الكاعب الممنعة ... الحسناء في زاد أهلها سبعا
تحوط، وقحوط، وكحل، وحجرة، أسماء للسنة المجدبة. والعائذ: الحديثة النتاج، فتنحر أولادها في السنة المجدبة إبقاء على ألبانها وشحومها. والربع الذي ينتج في الربيع، والهبع: الذي ينتج في الصيف. يقال: ما له هبع ولا ربع. وإنما سمي: هبعاً، لأن الربع أسن منه فيمشي مع أمهاته1، ولا يلحقهن الهبع إلا باجتهاد فيستعين بعنقه في المشي، يقال إذا فعل ذلك: هبع يهبع.
ويقال للريح الشمال: نسع، ومسع، قال الهذلي:
قد حال دون دريسيه مؤوبة ... نسع لها بعضاه الأرض تهزير2
الدريسان: ثوبان خلقان. ومؤوبة، مفعلة، من التأويب، وهو سير النهار لا تعريج فيه. قال أبو عبيدة: هو سير النهار، والإسناد: سير الليل لا تغريس فيه، وأنشد لسلامة بن جندل:
يومان يوم مقامات وأندية ... ويوم سير إلى الأعداء تأويب
وإنما يعني ريحاً. وقوله: نسع: أي شمال. والعضاه: شجر ضخام3 فبعض العرب يقول للواحدة: عضاهة، وللجميع: عضاة. على وزن دجاجة ودجاج، وبعضهم يقول للواحدة: عضة، فيقول في الجمع عضوات. وعضهات. فتكون من الواو ومن الهاء قال الشاعر:
هذا طريق يأزم المآزما ... وعضوات تقطع اللهازما4
ونظير عضة، سنة؛ على أن الساقط الهاء في قول بعض العرب، والواو في قول بعضهم، تقول في جمعها سنوات. وسانيت الرجل. وبعضهم يقول: سهات. وأكريته مسانهة.
وهذا الحرف في القرآن يقرأ على ضروب. فمن قرأ: {لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ} 1 فوصل بالهاء - هو مأخوذ من: سانهت، التي هي سنيهة. ومن جعله من الواو قال في الوصل: لم يتسن وانظر2. فإذا وقف قال: {لَمْ يَتَسَنَّه} فكانت الهاء زائدة لبيان الحركة. بمنزلة الهاء في قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} 3. و {كِتَابِيَهْ} 4. و {حِسَابِيَهْ} 5. والمعنى واحد. وتأويله: لم تغيره السنون. ومن لم يقصد إلى السنة، قال: لم يتأسن. والآسن: المتغير، قال الله جل وعز: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} 6، ويقال: أسن في هذا المعنى، كما يقال: رجل حاذر وحذر.
ويقال للريح الجنوب: النعامى. قال أبو ذؤيب:
مرته النعامى فلم يعترف ... خلاف النعامى من الشأم ريحا
ومعنى مرته استرته. وفي الحديث: "ما هبت الريح الجنوب إلا أسال الله بها وادياً".
وقال رجل يمدح رجلاً:
فتى خلقت أخلاقه مطمئنة ... له نفحات ريحهن جنوب
يريد أن الجنوب تأتي بالمطر والندى.
والعرب تكره الدبور، وفي الحديث أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور".
وقلما يكون بالدبور المطر، لأنها تجفل السحاب، ويكون فيها الرهج والغبرة.
ولا تهب إلا أقل ذاك بشدة، فتكاد تقلع البيوت وتأتي على الزروع.













مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید