المنشورات

فرزدق في هجاء عمرو بن هبيرة

قال أبو العباس: وكان الفرزدق هجاء لعمر بن هبيرة عند ولايته العراق. وفي ذلك يقول ليزيد بن عبد الملك:
أمير المؤمنين وأنت بر ... أمين لست بالطبع الحريص
أأطعمت العرقا ورافديه ... فزارياً أحذ يد القميص1
تفهق بالعراق أبو المثنى ... وعلم قومه أكل الخبيص
ولم يكن قبلها راعي مخاض ... ليأمنه على وركي قلوص
قوله: لست بالطبع الحريص. فالطبع: الشديد الطمع الذي لا يفهم لشدة طمعه. وإنما أخذ هذا من طبع السيف، يقال: طبع السيف. يا فتى! وهو سيف طبع، إذا ركبه الصدأ حتى يغطي عليه. والمثل من هذا في الذي طبع على قلبه وإنما هو تغطية وحجاب. يقال: طبع الله على قلب فلان. كما قال جل وعز: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} . هذا الوقف. ثم قال: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} 2 وكذلك: رين على قلبه. وغين على قلبه؛ فالرين يكون من أشياء تألف عليه فتغطيه. قال الله جل وعز: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 3. وأما غين على قلبه. فهي غشاوة تعتريه، والغينة: القطعة من الشجر الملتف تغطي ما تحتها، قال الشاعر:
كأني بين خافيتي عقاب ... أصاب حمامة في يوم غين4
وقال بعضهم: أراد في التفاف من الظلمة. وقال آخرون: أراد في يوم غيم، فأبدل من الميم نوناً، لاجتماع الميم والنون في الغنة. كما يقال للحية: أيم، وأين، واستجازت الشعراء أن تجمع الميم والنون في القوافي، لما ذكرت لك من اجتماعهما في الغنة. قال الراجز:
بني إن البر شيء هين ... ألمنطق اللين والطعيم
وقال آخر1:
ما تنقم الحرب العوان مني ... بازل عامين حديث سني2
لمثل هذا ولدتني أمي
والعراقان: البصرة والكوفة. والرافدان: دجلة والفرات.
وقوله: أحذ يد القميص، الأحد: الخفيف. قال طرقة:
وأتلع نهاض أحد ململم3
وإنما نسبه بالخفة في يده إلى السرقة4.
وقوله: تفهق أي امتلأ مالاً5. يقال: بئر تفهق وغدير يفهق إذا امتلأ ماء. قال الراجز:
لا ذنب لي قد قلت للقوم استقوا ... والقوم في عرض غدير يفهق
وقال الأعشى فيمدحه المحلق بن حنتم. أحد بني أبي بكر بن كلاب:
نفى الذم عن رهط المحلق جفنة ... كجابية الشيخ العراقي تفهق
هكذا في رواية أبي عبيدة.
وقوله:
ولم يك قبلها راعي مخاض ... ليأمنه على وركي قلوص
كانت بنو فزارة ترمى بغشيان الإبل. ولذلك قال ابن دارة:
لا تأمنن فزاريا خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار













مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید