المنشورات

كتاب معاوية إلى مروان بن الحكم

وتحدث الزبيريون أن معاوية كتب إلى مروان بن الحكم، وهو والي المدينة، أما بعد، فإن أمير المؤمنين أحب أن يرد الألفة، ويسل السخيمة، ويصل الرحم، فإذا ورد عليك1 كتابي هذا2 فاخطب إلى عبد الله بن جعفر ابنته أم كلثوم على يزيد ابن أمير المؤمنين، وارغب له في الصداق.
فوجه مروان إلى عبد الله بن جعفر، فقرأ عليه كتاب معاوية3 وأعلمه بما في رد الألفة من صلاح ذات البين، اجتماع الدعوة. فال عبد الله: إن خالها الحسين بينبع، وليس ممن يفتات عليه بأمر، فأنظرني إلى أن يقدم، وكانت أمها زينب بنت علي بن أبي طالب صلوات الله عليه. فلما قدم الحسين ذكر ذلك له عبد الله بن جعفر. فقام من عنده فدخل إلى الجارية، فقال: يا بنية، إن ابن عمك القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب أحق بك، ولعلك ترغبين في كثرة الصداق وقد نحلتك البغيبغات، فلما حضر القوم للإملاك4 تكلم مروان بن الحكم، فذكر معاوية وما قصده من صلة الرحمن وجمع الكلمة، فتكلم الحسين فزوجها من القاسم بن محمد. فقال له مروان: أغدراً يا حسين? فقال: أنت بدأت، خطب أبو محمد الحسن بن علي عليه السلام عائشة بنت عثمان بن عفان، واجتمعنا لذلك، فتكلمت أنت فزوجتها من عبد الله بن الزبير. فقال مروان: ما كان ذلك. فالتفت الحسين إلى محمد بن حاطب فقال: أنشدك الله، أكان ذاك? قال: اللهم نعم. فلم تزل هذه الضيعة في أيدي5 بني عبد الله بن جعفر، من ناحية أم كلثوم، يتوارثونها، حتى ملكها أمير المؤمنين المأمون. فذكر ذلك له، فقال: كلا، هذا وقف علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، فانتزعها من أيديهم، وعوضهم عنها، وردها إلى ما كانت عليه.
حديث علي مع الخوارج في أول خروجهم عليه
قال أبو العباس: رجع الحديث إلى ذكر الخوارج أمر علي بن أبي طالب رحمه الله.
قال: ويروى1 أن علياً في أول خروج القوم عليه دعا صعصعة بن صوحان العبدي، وقد كان وجهه إليهم، وزياد بن النضر الحارثي مع عبد الله بن العباس، فقال لصعصعة: بأي القوم رأيتهم أشد إطاقة? فقال: بزيد بن قيس الأرحبي، فركب علي إليهم إلى حروراء. فجعل يتخللهم، حتى صار إلى مضرب يزيد بن قيس، فصلى فيه ركعتين، ثم خرج فاتكأ على قوسه وأقبل على الناس، ثم قال: هذا مقام من فلج2 فيه فلج يوم القيامة. أنشدكم الله، أعلمتم أحداً منكم كان أكره للحكومة مني! قالوا: اللهم لا. قال: أفعلمتم أنكم أكرهتموني، حتى قبلتها? قالوا: اللهم نعم. قال: فعلام خالفتموني ونابذتموني? قالوا: إنا أتينا ذنباً عظيماً، فتبنا إلى الله، فتب إلى الله منه واستغفره نعد لك. فقال علي: إني أستغفر من كل ذنب. فرجعوا معه، وهم ستة آلاف. فلما استقروا بالكوفة أشاعوا أن علياً رجع عن التحكيم ورآه ضلالاً، وقالوا: إنما ينتظر أمير المؤمنين أن يسمن الكراع3، ويجبى المال، فينهض إلى الشام. فأتى الأشعث بن قيس علياً عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، إن الناس قد تحدثوا أنك رأيت الحكومة ضلالاً والإقامة عليها كفراً، فخطب علي الناس فقال: من زعم أني رجعت عن الحكومة فقد كذب ومن رآها ضلالاً فهو أضل. فخرجت الخوارج من المسجد، فحكمت. فقيل لعلي: إنهم خارجون عليك، فقال لا أقاتلهم حتى يقاتلوني وسيفعلون. فوجه إليهم عبد الله بن العباس، فلما صار إليهم رحبوا به وأكرموه. فرأى منهم جباهاً قرحة4 لطول السجود، وأيدياً كثفنات5 الإبل، وعليهم6 قمص مرحضة7، وهم مشمرون، فقالوا: ما جاء بك يا أبا العباس? فقال: جئتكم من عند صهر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابن عمه، وأعلمنا برب وسنة نبيه، ومن عند المهاجرين والأنصار. قالوا: إنا أتينا عظيماً حين حكمنا الرجال في دين الله، فإن تاب كما تبنا ونهض لمجاهدة عدونا رجعنا. فقال ابن عباس: نشدتكم الله إلا ما صدقتم أنفسكم! أما علمتم أن الله أمر بتحكيم الرجال في أرنب تساوي ربع درهم تصاد في الحرم، وفي شقاق رجل وامرأته? فقالوا: اللهم نعم، فقال: فأنشدكم الله فهل1 علمتم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمسك عن القتال للهدنة بينه وبين أهل الحديبية? قالوا: نعم، ولكن علياً محا نفسه من إمارة المسلمين، قال ابن عباس: ليس ذلك بمزيلها عنه. وقد محا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسمه من النبوة، وقد أخذ علي على الحكمين ألا يجورا، وإن يجورا فعلي أولى من معاوية وغيره. قالوا: إن معاوية يدعي مثل دعوى علي، قال فأيهما رأيتموه أولى فولهوه، قالوا: صدقت، قال ابن عباس. ومتى2 جار الحكمان فلا طاعة لهما ولا قبول لقولهما. قال: فاتبعه منهم ألفان وبقي أربعة آلاف، فصلى بهم صلواتهم ابن الكواء، وقال: متى كانت حرب فرئيسكم شبث بن ربعي الرياحي، فلم يزالوا على ذلك يومين، حتى أجمعوا على البيعة لعبد الله بن هب الراسبي، قال: ومضى القوم إلى النهروان3، وكانوا أرادوا المضي إلى المدائن.












مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید