المنشورات
عبد الملك بن مروان ورجل من الخوارج
وذكروا أن عبد الملك بن مروان أتي برجل منهم فبحثه فرأى منه ما شاء فهماً ثم بحثه، فرأى ما شاء إبراً ودهياً1، فرغب فيه، فاستدعاه2 إلى الرجوع عن مذهبه، فرآه مستبصراً محققاً، فزاده في الإستدعاء فقال له: لتغنك الأولى عن الثانية، وقد قلت فسمعت، فاسمع أقل، قال له: قل. فجعل يبسط له من قول الخوارج ويزين له مذهبهم بلسان طلق وألفاظ بينة ومعان قريبة، فقال عبد الملك بعد ذلك على معرفته: لقد كان يوقع في خاطري أن الجنة خلقت لهم، وأنا3 أولى بالجهاد منهم. ثم رجعت إلى ما ثبت الله علي من الحجة وقرر في قلبي من الحق. فقلت له: لله الآخرة والدنيا، وقد سلطنا4 الله في الدنيا، ومكن لنا فيها، وأراك لست تجيب بالقبول5، والله لأقتلنك إن لم تطع.
فأنا في ذلك إذ دخل علي بابني مروان.
قال أبو العباس: كان مروان أخا يزيد لأمه، أمهما عاتكة بنت يزيد بن معاوية، وكان أبياً عزيز النفس، فدخل به في هذا الوقت على عبد الملك باكياً لضرب المؤدب إياه، فشق ذلك على عبد الملك، فأقبل الخارجي، فقال له: دعه يبكي6؛ فإنه أرحب لشدقه، وأصح لدماغه، وأذهب لصوته، وأحرى ألا تأبى عليه عينه إذا حضرته طاعة الله1، فاستدعى عبرتها. فأعجب ذلك من قوله عبد الملك، فقال معجباً: أما يشغلك ما أنت فيه وبعرضه عن هذا! فقال ما ينبغي أن يشغل المؤمن عن قول الحق شيء، فأمر عبد الملك بحبسه، وصفح عن قتله، وقال بعد يعتذر إليه: لولا أن تفسد بألفاظك أكثر رعيتي ما حبستك.
ثم قال عبد الملك: من شككني ووهمني حتى مالت بي عصمة الله فغير بعيد أن يستهوي من بعدي. وكان عبد الملك من الرأي والعلم بموضع.
مصادر و المراجع :
١- الكامل في اللغة والأدب
المؤلف: محمد بن
يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)
المحقق: محمد أبو
الفضل إبراهيم
الناشر: دار
الفكر العربي - القاهرة
الطبعة: الطبعة
الثالثة 1417 هـ - 1997 م
3 يونيو 2024
تعليقات (0)