المنشورات

الخوارج ومعاوية

قال: وخرجت الخوارج، واتصل خروجها، وإنما نذكر منهم من كان ذا خبر طريف، واتصلت به حكم من كلام وأشعار.
فأول من خرج بعد قتل علي بن أبي طالب عليه السلام حوثرة الأسدي، فإنه كان متنحياً بالبندنيجين1، فكتب إلى حابس الطائي يسأله أن يتولى أمر الخوارج حتى يسير إليه بجمعه، فيتعاضدا على مجاهدة معاوية، فأجابه فرجعا إلى موضع أصحاب النخيلة، ومعاوية بالكوفة حيث دخلها مع الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، بعد أن بايعه الحسن والحسين عليهما السلام وقيس بن سعد بن عبادة.
ثم خرج الحسن يريد المدينة، فوجه إليه معاوية وقد تجاوز في طريقه يسأله أن يكون المتولي لمحاربتهم، فقال الحسن: والله لقد كففت عنك لحقن دماء المسلمين، ولا أحسب ذلك يسعني، أفأقاتل عنك قوماً أنت والله أولى بالقتال منهم! فلما رجع الجواب إليه جيشاً "أكثره أهل الكوفة"1 ثم قال لأبيه أبي حوثرة: قم فاكفني2 أمر أبنك فصار إليه أبوه فدعاه إلى الرجوع, فأبى فأداره, فصمم، فقال له: يا بني أجيئك بابنك فلعلك تراه فتحن إليه? فقال: يا أبت، أنا والله إلى طعنة نافذة أتقلب فيها على كعوب الرمح أشوق مني إلى ابني! فرجع إلى معاوية فأخبره الخبر3، فقال: يا أبا حوثرة، عتا4 هذا جداً!.
فلما نظر حوثرة إلى أهل الكوفة قال: يا أعداء الله، أنتم بالأمس تقاتلون معاوية لتهدوا سلطانه، واليوم تقاتلون مع معاوية لتشدوا سلطانه!.
فخرج إليه أبوه فدعاه إلى البراز، فقال: يا أبت، لك في عيري مندوحة، ولي في غيرك عنك مذهب، ثم حمل على القوم وهو يقول:
أكرر على هذي الجموع حوثره ... فعن قليل ما تنال المغفرة
فحمل عليه رجل من طيئ5 فقتله، فرأى أثر السجود قد لوح جبهته، فندم على قتله، ثم انهزم القوم جميعاً.
وأنا أحسب أن قول القائل:
وأجرأ من رأيت بظهر عيب ... على عيب الرجال ذوو العيوب
إنما أخذه من كلام المستورد، قال رجل للمستورد. أريد أن أرى رجلاً عياباً، قال: ألتمسه بفضل معايب فيه.
وقال العباس بن الأحنف يعاتب من اتهمه بإفشاء سره:
تعتبت تطلب ما استحق ... بها لهجر منك ولا تقدر
وماذا يضيرك من شهرتي1 ... إذا كان سرك لا يشهر
أمني تخاف انتشار الحديث ... وحظي في ستره أوفر
ولو لم تكن في بقيا عليك ... نظرت لنفسي كما تنظر













مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید