المنشورات

عبد الله بن زياد والخوارج

عاد الحديث إلى أمر الخوارج.
وكانت1 من المجتهدات من الخوارج - ولو قلت: من المجتهدين، وأنت تعني امرأة كان أفصح، لأنك تريد رجالاً ونساء هي إحداهم، كما قال الله عز وجل: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} 2 وقال جل ثناؤه: {إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ} 3 - البلجاء وهي امرأة من بني حرام بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، من رهط سجاح، التي كانت تنبأت - وسنذكر خبرها في موضعه إن شاء الله - وكان مرداس بن حدير أبو بلال، وهو أحد بني ربيعة بن حنظلة تعظمه الخوارج، وكان مجتهداً كثير الصواب في لفظه، فلقيه غيلان بن خرشة الضبي، فقال: يا أبا بلال! إني سمعت الأمير البارحة عبيد الله بن زياد يذكر البلجاء، وأحسبها ستؤخذ، فمضى إليها أبو بلال، فقال لها: إن الله قد وسع على المؤمنين في التقية4 فاستتري؛ فإن هذا المسرف على نفسه، الجبار العنيد قد ذكرك، قالت: إن يأخذني فهو أشقى بي، فأما أنا فما أحب أن يعنت إنسان بسببي.
فوجه إليها عبيد الله بن زياد، فأتي بها فقطع يديها ورجليها، ورمى بها في السوق، فمر أبو بلال والناس مجتمعون، فقال: ما هذا? فقالوا: البلجاء، فعرج إليها فنظر، ثم عض على لحيته، وقال لنفسه: لهذه أطيب نفساً عن بقية الدنيا منك يا مرداس.
ثم إن عبيد الله تتبع الخوارج فحبسهم، وحبس مرداساً، فرأى صاحت السجن شدة اجتهاده وحلاوة منطقه فقال له: إني أرى لك مذهباً حسناً، وإني لا أحب أن أوليك معروفاً؛ إن تركتك تنصرف ليلاً إلى بيتك، أتدلج1 إلي? قال: نعم. فكان يفعل ذلك به.
ولج عبيد الله في حبس الخوارج وقتلهم، فكلم في بعض الخوارج فلج وأبى، وقال: أقمع النفاق قبل أن ينجم2. لكلام هؤلاء أسرع إلى القلوب من النار إلى اليراع3.
فلما كان ذات يوم قتل رجل من الخوارج رجلاً من الشرط، فقال ابن زياد: ما أدري ما أصنع بهؤلاء! كلما أمرت رجلاً بقتل رجل منهم فتكوا بقاتله! لأقتلن من في حبسي منهم. فأخرج السجان مرداساً إلى منزله كما كان يفعل، وأتى مرداساً الخبر، فلما كان السحر تهيأ للرجوع، فقال له أهله: اتق الله في نفسك، فإنك إن رجعت قتلت؛ فقال: إني ما كنت لألقى الله غادراً. فرجع إلى السجان فقال: إني قد علمت ما عزم عليه صاحبك، فقال: أعلمت ورجعت?!










مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید