المنشورات

شباب كالأسود وشيب

البحر: طويل
مدح الفرزدق زين العابدين على مسمع من هشام، فأمر بحبسه بين مكة والمدينة، فهجاه الفرزدق بقصيدة يقول فيها:
"يقلب رأسًا لم يكن رأس سيد ** وعينًا له حولاء باد عيوبها"
وحين أطلقه هشام بعد ذلك، اتصل به الفرزدق ومدحه بهذه القصيدة، وهي على الروي نفسه:
(رَأَيتُ بَني مَروانَ يَرفَعُ مُلكَهُم ** مُلوكٌ شَبابٌ كَالأُسودِ وَشيبُها)
(بِهِم جَمَعَ اللَهُ الصَلاةَ فَأَصبَحَت ** قَدِ اِجتَمَعَت بَعدَ اِختِلافٍ شُعوبُها)
(وَمَن وَرِثَ العودَينِ وَالخاتَمَ الَّذي ** لَهُ المُلكُ وَالأَرضُ الفَضاءُ رَحيبُها)
(وَكانَ لَهُم حَبلاً قَدِ اِستَكرَبوا بِهِ ** عَراقِيَ دَلوٍ كانَ فاضَ ذَنوبُها)
(عَلى الأَرضِ مَن يَنهَز بِها مِن مُلوكِهِم ** يَفِض كَالفُراتِ الجَونِ عَفواً قَليبُها)
(تُرَدِّدُني بَينَ المَدينَةِ وَالَّتي ** إِلَيها قُلوبُ الناسِ يَهوي مُنيبُها)
(هِيَ القَريَةُ الأولى الَّتي كُلُّ قَريَةٍ ** لَها وَلَدٌ يَنمي إِلَيها مُجيبُها)
(هُدوءً رِكابي لا تَزالُ نَجيبَةً ** إِلى رَجُلٍ مُلقىً تَحِنُّ سُلوبُها)
(وَلَم يَلقَ ما لاقَيتُ إِلّا صَحابَتي ** وَإِلّا رِكابٌ لا يُراحُ لُغوبُها)
(أَتَتكَ بِقَومٍ لَم يَدَع سارِحاً لَهُم ** تَتابُعُ أَعوامٍ أَلَحَّت جُدوبُها)
(وَخَوقاءِ أَرضٍ مِن بَعيدٍ رَمَت بِنا ** إِلَيكَ مَعَ الصُهبِ المَهاري سُهوبُها)
(بِمَتَّخِذينَ اللَيلَ فَوقَ رِحالِهِم ** بِها جَبَلاً قَد كانَ مَشياً خَبيبُها)
(إِلَيكَ بِأَنضاءٍ عَلى كُلِّ نَضوَةٍ ** نَجيبَتُها قَد أُدرِجَت وَنَجيبُها)
(رَأَيتُ عُرى الأَحقابَ وَالغُرَضِ اِلتَقَت ** إِلى فُلفُلِ الأَطباءِ مِنها دُؤوبُها)
(كَأَنَّ الخَلايا فَوقَ كُلِّ ضَريرَةٍ ** تُخَطِّمُهُ في دَوسَرِ الماءِ نيبُها)
(أَقولُ لِأَصحابي وَقَد صَدَقَتهُمُ ** مِنَ الأَنفُسِ اللاتي جَزِعنَ كَذوبُها)
(عَسى بِيَدي خَيرِ البَرِيَّةِ تَنجَلي ** مِنَ اللَزَباتِ الغُبرِ عَنّا خُطوبُها)
(إِذا ذُكِّرَت نَفسي اِبنَ مَروانَ صاحِبي ** وَمَروانَ فاضَت ماءَ عَيني غُروبُها)
(هُما مَنَعاني إِذ فَرَرتُ إِلَيهِما ** كَما مَنَعَت أَروى الهِضابِ لُهوبُها)
(فَما رُمتُ حَتّى ماتَ مَن كُنتُ خائِفاً ** وَطومِنَ مِن نَفسِ الفَروقِ وَجيبُها)
(وَهَل دَعوَتي مِن بَعدِ مَروانَ وَاِبنِهِ ** لَها أَحَدٌ إِذ فارَقاها يُجيبُها)
(وَكُنتُ إِذا ما خِفتُ أَو كُنتُ راغِباً ** كَفانِيَ مِن أَيديهِما لي رَغيبُها)
(بِأَخلاقِ أَيدي المُطعِمينَ إِذا الصَبا ** تَصَبَّبَ قُرّاً غَيرَ ماءٍ صَبيبُها)
(رَأَيتُ بَني مَروانَ إِذ شُقَّتِ العَصا ** وَهَرَّ مِنَ الحَربِ العَوانِ كَليبُها)
(شَفَوا ثائِرَ المَظلومِ وَاِستَمسَكَت بِهِم ** أَكُفُّ رِجالٍ رُدَّ قَسراً شَغوبُها)
(وَرَثتَ إِلى أَخلاقِهِ عاجِلَ القِرى ** وَضَربَ عَراقيبِ المَتالي شَبوبُها)
(رَأَيتَ بَني مَروانَ ثَبَّتَ مُلكَهُم ** مَشورَةُ حَقٍّ كانَ مِنها قَريبُها)
(جَزى اللَهُ خَيراً مِن خَليفَةِ أُمَّةٍ ** إِذا الريحُ هَبَّت بَعدَ نوءٍ جَنوبُها)
(كَفى أُمَّةَ الأُمِّيَّ كُلَّ مُلِحَّةٍ ** مِنَ الدَهرِ مَحذورٍ عَلَينا شَصيبُها)
(عَسَت هَذِهِ اللَأواءُ تَطرُدُ كَربَها ** عَلَينا سَماءٌ مِن هِشامٍ تُصيبُها)
(كَما كانَ أَروى إِذ أَتاهُم بِأَهلِهِ ** حُطَيئَةُ عَبسٍ مِن قُرَيعٍ ذَنوبُها)
(فَهَب لِيَ سَجلاً مِن سَجالِكَ يُروِني ** وَأَهلي إِذا الأَورادُ طالَ لُؤوبُها)
(وَكَم أَنعَمَت كَفّا هِشامٍ عَلى اِمرِئٍ ** لَهُ نِعمَةٌ خَضراءَ ما يَستَثيبُها)













مصادر و المراجع :

١- ديوان الفرزدق

المؤلف: أبي فراس همّام بن غالب بن صعصعة ابن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم، ولقب بالفرزدق لجهامة وجهه وضخامته.

(38 هـ - 658 م) (110 هـ - 728 م)

شرحه وضبطه وقدّم له: الأستاذ علي فاعور

الناشر: دار الكتب العلمية

بيروت - لبنان

الطبعة: الأولى (1407 هـ - 1987 م)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید