المنشورات

لقد طلبت بالذحل غير ذميمة

البحر: طويل
كان عباد بن علقمة، وهو ابن أخضر، قتل أبا بلال مرداسًا، فأقبل عباد من الجمعة يريد منزله وخلفه ابن له يقال له عمرو رديفًا له، حتى إذا كان في بني كليب عند مسجدهم الذي في الباطنة خرج عليهم أحد عشر رجلاً من السكة التي تنحر المسجد، فقام تسعة نفر منهم في السكة، ودنا منه رجلان فقالا: قف أيها الشيخ نكلمك، وهو يومئذ ابن أكثر من تسعين سنة، فوقف لهما فدنوا منه فقال أحدهما: إن هذا أخي قد ظلمني حقي وغصبني مالي، فليس يدفعه إلي. فقال عباد: استعد عليه، فقال: إنه أوجه عند السلطان مني. فقال عباد: خذ حقك منه إن قدرت عليه. فقالا جميعًا: الله أكبر! قضيت على نفسك. ثم ابتداه بسيفهما وخرج عليه التسعة الذين كانوا في السكة، فلما رآهم أخذوا بلجامه وعلم أنه غير ناج منهم أخذ بيده ابنه فرمى به على أدنى سطح يليه، فسعى الغلام عليه حتى نجا. ونادى عباد ببني كليب: ألا معينًا على هؤلاء الكلاب؟ فلم يأته أحد فقتلوه. وبلغ عبيد الله بن زياد الخبر، فغضب غضبًا لم يغضب قبله مثله وبعث الخيل. وبلغ الخبر بني مازن فأقبل أخوه معبد بن علقمة، وكان أحدث سنًا منه، حتى انتهى إلى الخوارج، وهم في السكة، وعليه السلاح، فقالوا للشرط: خلوا عنا وعن ثأرنا. وقال معبد لأصحابه: انزلوا إليهم فقاتلوهم رجالة في مثل حالهم فنزل ونزلوا جميعًا، فالتقوا فقتلوا الخوارج إلا رجلاً منهم، أفلت في الزحام. وبلغ الخبر عبيد الله فأعطى الله عهدًا أن لا يعطي كليبيًا عطاء أبدًا. فحرمهم العطاء ثلاث سنين. فقال الفرزدق في ذلك يعير بني كليب خذلانهم عبادًا:
(لَقَد طَلَبَت بِالذَحلِ غَيرَ ذَميمَةٍ ** إِذا ذُمَّ طُلّابُ الذُحولِ الأَخاضِرُ)
(هُمُ جَرَّدوا الأَسيافَ يَومَ اِبنِ أَخضَرٍ ** فَنالوا الَّتي لا فَوقَها نالَ ثائِرُ)
(أَقادوا بِهِ أُسداً لَها في اِقتِحامِها ** عَلى الغَمَراتِ في الحُروبِ بَصائِرُ)
(وَلَم يُعتِمِ الإِدراكُ مِنهُم بِذَحلِهِم ** فَيَطمَعُ فيهِم بَعدَ ذَلِكَ غادِرُ)
(كَفِعلِ كُلَيبٍ يَومَ يَدعو اِبنُ أَخضَرٍ ** وَقَد نَشِبَت فيهِ الرِماحُ الشَواجِرُ)
(فَلَم يَأتِهِ مِنها وَبَينَ بُيوتِها ** أُصيبَ ضَياعاً يَومَ ذَلِكَ ناجِرُ)
(وَهُم حَضَروهُ غائِبينَ بِنَصرِهِم ** وَنَصرُ اللَئيمِ غائِبٌ وَهوَ حاضِرُ)
(وَهُم أَسلَموهُ فَاِكتَسَوا ثَوبَ لامَةٍ ** سَيَبقى لَهُم مادامَ لِلزَيتِ عاصِرُ)
(فَما لِكُلَيبٍ في المَكارِمِ أَوَّلٌ ** وَلا لِكَلَيبٍ في المَكارِمِ آخِرُ)
(وَلا في كُلَيبٍ إِن عَرَتهُم مُلِمَّةٌ ** كَريمٌ عَلى ما أَحدَثَ الدَهرُ صابِرُ)










مصادر و المراجع :

١- ديوان الفرزدق

المؤلف: أبي فراس همّام بن غالب بن صعصعة ابن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم، ولقب بالفرزدق لجهامة وجهه وضخامته.

(38 هـ - 658 م) (110 هـ - 728 م)

شرحه وضبطه وقدّم له: الأستاذ علي فاعور

الناشر: دار الكتب العلمية

بيروت - لبنان

الطبعة: الأولى (1407 هـ - 1987 م)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید