المنشورات

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

البحر: بسيط تام
يمدح زين العابدين
لما حج هشام بن عبدالملك في أيام أبيه، طاف بالبيت وجهد أن يصل إلى الحجر الأسود ليستلمه، فلم يقدر على ذلك لكثرة الزحام، فنصب له كرسي وجلس عليه ينظر إلى الناس، ومعه جماعة من أعيان الشام. فبينما هو كذلك إذ أقبل الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فطاف بالبيت. فلما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلم الحجر، فقال رجل من أهل الشام لهشام: من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه، مخافة أن يرغب فيه أهل الشام. وكان الفرزدق حاضرًا، فقال: أنا أعرفه، ثم اندفع فأنشد هذه القصيدة التي أغضبت هشامًا فأمر بحبسه بين مكة والمدينة:
(هذا الذّي تعرفُ البحطاءُ وطأتهُ، ** والبيتُ يعرفهُ والحلُّ والحرمُ)
(هذا ابن خير عبادِ اللهِ كلهّمُ، ** هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ)
(هذا ابنُ فاطمَةٍ، إنْ كُنْتَ جاهِلَهُ، ** بجدّهِ أنبياءُ الله قدْ ختموا)
(وَلَيْسَ قَوْلُكَ: مَن هذا؟ بضَائرِه، ** العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجمُ)
(كِلْتا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفعُهُمَا، ** يُسْتَوْكَفانِ، وَلا يَعرُوهُما عَدَمُ)
(سهلُ الخليقةِ، لا تخشى بوادرهُ، ** يَزِينُهُ اثنانِ: حُسنُ الخَلقِ وَالشّيمُ)
(حَمّالُ أثقالِ أقوَامٍ، إذا افتُدِحُوا، ** حلو الشمائلِ، تحلو عنده نعمُ)
(وما قالَ: لا قطٌّ إلا في تشهدهِ، ** لولا التّشهّدُ كانتْ لاءهُ نعمُ)
(عمَّ البريةَ بلإحسانِ، فانقشعتْ ** عنها الغياهبُ والإملاقُ والعدمُ)
(إذا رأتهُ قريشٌ قالَ قائلها: ** إلى مَكَارِمِ هذا يَنْتَهِي الكَرَمُ)
(يغضي حياءً، ويغضي من مههابته، ** فَمَا يُكَلَّمُ إلاّ حِينَ يَبْتَسِمُ)
(بكفهِ خيزرانٌ ريحهُ عبقٌ، ** من كفّ أروعَ، في عرنينهِ شممُ)
(يكادُ يمسكهُ عرفانَ راحتهِ، ** ركنُ الحطيمِ إذا ما جاءَ يستلمُ)
(الله شَرّفَهُ قِدْماً، وَعَظّمَهُ، ** جرى بذاك له في لوحه القلم)
(أيُّ الحلائقِ ليستْ في رقابهم، ** لأوّلِيّةِ هَذا، أوْ لَهُ نِعمُ)
(مَن يَشكُرِ الله يَشكُرْ أوّلِيّةَ ذا؛ ** فالدِّينُ مِن بَيتِ هذا نَالَهُ الأُمَمُ)
(يُنمى إلى ذُرْوَةِ الدّينِ التي قَصُرَتْ ** عنها الأكفُّ، وعن إدراكها القدمُ)
(مَنْ جَدُّهُ دان فَضْلُ الأنْبِياءِ لَهُ؛ ** وَفَضْلُ أُمّتِهِ دانَتْ لَهُ الأُمَمُ)
(مُشْتَقّةٌ مِنْ رَسُولِ الله نَبْعَتُهُ، ** طَابَتْ مَغارِسُهُ والخِيمُ وَالشّيَمُ)
(ينشق ثوبُ الدّجى عن نورِ غرتهِ، ** كالشمس تنجابُ عن لإشراقها الظُّلمُ)
(من معشرٍ حبُّهمْ دينٌ، بغضهمُ ** كُفْرٌ، وَقُرْبُهُمُ مَنجىً وَمُعتَصَمُ)
(مُقَدَّمٌ بعد ذِكْرِ الله ذِكْرُهُمُ، ** في كلّ بدءٍ، ومختومٌ به الكلمُ)
(إنْ عُدّ أهْلُ التّقَى كانوا أئِمّتَهمْ، ** أو قيل: "من خيرُ أهل الأرض؟ " قيل: هم)
(لا يستطيعُ جوادٌ بعدَ جودهمُ، ** وَلا يُدانِيهِمُ قَوْمٌ، وَإنْ كَرُمُوا)
(هُمُ الغُيُوثُ، إذا ما أزْمَةٌ أزَمَتْ، ** والأسدُ الشّرى، واليأسُ محتدمُ)
(لا ينقصُ العسرُ بسطاً من أكفهمُ، ** سِيّانِ ذلك: إن أثَرَوْا وَإنْ عَدِمُوا)
(يُستدْفَعُ الشرُّ وَالبَلْوَى بحُبّهِمُ، ** ويستربُ بهِ الإحسانُ والنَّعمُ)










مصادر و المراجع :

١- ديوان الفرزدق

المؤلف: أبي فراس همّام بن غالب بن صعصعة ابن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم، ولقب بالفرزدق لجهامة وجهه وضخامته.

(38 هـ - 658 م) (110 هـ - 728 م)

شرحه وضبطه وقدّم له: الأستاذ علي فاعور

الناشر: دار الكتب العلمية

بيروت - لبنان

الطبعة: الأولى (1407 هـ - 1987 م)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید