المنشورات

إذا المرء لم يحقن دمًا لابن عمه

البحر: طويل
قتل ابن مسلم بن جبير المجاشعي أحد بني الأبيض بن مجاشع ابن عم له فأتى مسلم معاوية ليحمل له دية ابن أخيه عن ابنه. فقال: ينبغي لأمير المؤمنين أن يقيد ابنك بابن أخيك، ولم يحمل له، وأتى مروان فطل دمه، فكان مسلم كلما انتجعت حنظلة علا تشزًا فنادى: يا آل حنظلة ألا فتى يحمل لي دم ابن أخي؟ يا آل مالك ألا فتى يعقل دية ابن أخي؟ يا آل دارم ألا فتى يحمل دية ابن أخي؟ يا آل مجاشع ... فيقول مثل ذلك زمينًا، فلا يجيبه أحد. فلما كان آخر ذلك قالت له عجوز بيتها إلى هدف ذلك النشز: ويلك يا ابن جبير! إنه قد طال أبسك قومك تنوه بهم وتستحملهم عقل ابن أخيك، فيطلعون به، إني أدلك على شيء إن أنت فعلته حمل لك دم ابن أخيك. قال: هاتي. قالت: أئت المقر فعذ بقبر غالب، فلو كانت عشر ديات لتحملها لك ابنه الفرزدق إذا بلغه ذلك. فجاء حتى ضرب إلى جنب قبر غالب خباء، ثم جعل يهتف ويقول: يا غالب إني عائذ بك لتحمل عن ابني دم ابن أخي، وجعلت الرفاق تمر به فيرون ما يصنع، فلما وردوا البصرة خبروا الفرزدق، فجعل يلي، ولا يلحق خارجًا من البصرة إلى كاظمة إلا قال له: قل لمسلم إن دية ابن أخيك إلى فهلم! فأبلغوه ذلك، فأقبل إلى الفرزدق فضمنها له مائة بعير، وحملها الحكم الأبيضي وكان أكثر بني مجاشع مالا، فقال الفرزدق:
(إِذا المَرءُ لَم يَحقُن دَماً لِاِبنِ عَمِّهِ ** بِمَخلولَةٍ مِن مالِهِ أَو بِمُقحَمِ)
(فَلَيسَ بِذي حَقٍّ يُهابُ لِحَقِّهِ ** وَلا ذي حَريمٍ تَتَّقيهِ لِمَحرَمِ)
(فَخَلِّ عَنِ الحَيّاتِ إِن نَهَدَت لَهُ ** وَلا تَدعُوَن يَوماً بِهِ عِندَ مُعظَمِ)
(أَبى حَكَمٌ مِن مالِهِ أَن يُعينَنا ** عَلى حَلِّ حَبلِ الأَبيَضِيِّ بِدِرهَمِ)
(وَقُلتُ لَهُ مَولاكَ يَدعو يَقودُهُ ** إِلَيكَ بِحَبلٍ ثائِرٌ غَيرُ مِنعِمِ)
(بَكى بَينَ ظَهرَي رَهطِهِ بَعدَما دَعا ** ذَوي المُخِّ مِن أَحسابَهُم وَالمُطَعَّمِ)
(فَقالَ لَهُم راخوا خِناقي وَأَطلِقوا ** وِثاقي فَإِنّي بَينَ قَتلٍ وَمَغرَمِ)
(وَمِن حَولِهِ رَهطٌ أَصابَ أَخاهُمُ ** بِهازِمَةٍ تَحتَ الفِراشِ المُحَطَّمِ)
(بَنو عِلَّةٍ مُستَبسِلونَ قَدِ اِلتَوَت ** قُواهُم بِثَأرٍ في المَريرَةِ مُسلَمِ)
(وَلَم يَدعُ حَتّى مالَهُ عِندَ طارِقٍ ** وَلا سائِرِ الأَبناءِ مِن مُتَلَوَّمِ)
(فَقالوا اِستَغِث بِالقَبرِ أَو أَسمِعِ اِبنَهُ ** دُعاءَكَ يَرجِع ريقُ فيكَ إِلى الفَمِ)
(فَأَقسَمَ لا يَختارُ حَيّاً بِغالِبٍ ** وَلَو كانَ في لَحدٍ مِنَ الأَرضِ مُظلِمِ)
(دَعا بَينَ آرامِ المَقَرِّ اِبنَ غالِبٍ ** وَعاذَ بِقَبرٍ تَحتَهُ خَيرُ أَعظُمِ)
(فَقُلتُ لَهُ أُقريكَ عَن قَبرِ غالِبٍ ** هُنَيدَةَ إِذ كانَت شِفاءً مِنَ الدَمِ)
(يَنامُ الطَريدُ بَعدَها نَومَةَ الضُحى ** وَيَرضى بِها ذو الإِحنَةِ المُتَجَرِّمِ)
(فَقامَ عَنِ القَبرِ الَّذي كانَ عائِذاً ** بِهِ إِذ أَطافَت عيطُها حَولَ مُسلَمِ)
(وَلَو كانَ زَبّانُ العُلَيمِيُّ جارَها ** وَآلُ أَبي العاصي غَدَت لَم تُقَسَّمِ)
(وَفيمَ اِبنُ بَحرٍ مِن قِلاصِ أَشَذَّها ** بِسَيفَينِ أَغشى رَأسَهُ لَم يُعَمَّمِ)
(وَلَم أَرَ مَدعُوَّينِ أَسرَعَ جابَةً ** وَأَكفى لِراعٍ مِن عُبَيدٍ وَأَسلَمِ)
(أَهيبا بِها يا اِبنَي جُبَيرٍ فَإِنَّها ** جَلَت عَنكُما أَعناقُها لَونَ عِظلِمِ)
(دَفَعتُ إِلى أَيديهِما فَتَقَبَّلا ** عَصا مِئَةٍ مِثلَ الفَسيلِ المُكَمَّمِ)
(فَراحا بِجُرجورٍ كَأَنَّ إِفالَها ** فَسيلٌ دَماً قِنوانُهُ مِن مُحَلِّمِ)
(أَلا يا اِخبِروني أَيُّها الناسُ إِنَّما ** سَأَلتُ وَمَن يَسأَل عَنِ العِلمِ يَعلَمِ)
(سُؤالَ اِمرِئٍ لَم يُغفِلِ العِلمَ صَدرُهُ ** وَما العالِمُ الواعي الأَحاديثَ كَالعَمي)
(أَلا هَل عَلِمتُم مَيِّتاً قَبلَ غالِبٍ ** قَرى مِئَةً ضَيفاً وَلَم يَتَكَلَّمِ)
(أَبي صاحِبُ القَبرِ الَّذي مَن يَعُذ بِهِ ** يُجِرهُ مِنَ الغُرمِ الَّذي جَرَّ وَالدَمِ)
(وَقَد عَلِمَ الساعي إِلى قَبرِ غالِبٍ ** مِنَ السَيفِ يَسعى أَنَّهُ غَيرُ مُسلَمِ)
(وَإِذ نَحَّبَت كَلبٌ عَلى الناسِ أَيُّهُم ** أَحَقُّ بِتاجِ الماجِدِ المُتَكَرِّمِ)
(عَلى نَفَرٍ هُم مِن نِزارٍ ذُؤابَةٌ ** وَأَهلُ الجَراثيمِ الَّتي لَم تُهَدَّمِ)
(عَلى أَيِّهِم أَعطى وَلَم يَدرِ مَن هُمُ ** أَحَلَّ لَهُم تَعقيلَ أَلفٍ مُصَتَّمِ)
(فَلَم يَجلُ عَن أَحسابِهِ غَيرُ غالِبٍ ** جَرى بِعِنانَي كُلِّ أَبلَجَ خِضرِمِ)
(وَلَو قَبِلَت سَيدانُ مِنّي حَليفَتي ** شَفَيتُ بِها ما يَدَّعي آلُ ضَمضَمِ)
(لَأَعطَيتُ ما أَرضى هُبَيرَةَ قائِماً ** مِنَ المُعلَنِ البادي لَنا وَالمُجَمجَمِ)
(وَكُنتُ كَمَسؤولٍ بِأَحداثِ قَومِهِ ** لِيُصلِحَها مَن لَيسَ فيها بِمُجرِمِ)
(وَلَكِن إِذا ما المُصلِحونَ عَصاهُمُ ** وَلِيٌّ فَما لِلنُصحِ مِن مُتَقَدَّمِ)











مصادر و المراجع :

١- ديوان الفرزدق

المؤلف: أبي فراس همّام بن غالب بن صعصعة ابن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم، ولقب بالفرزدق لجهامة وجهه وضخامته.

(38 هـ - 658 م) (110 هـ - 728 م)

شرحه وضبطه وقدّم له: الأستاذ علي فاعور

الناشر: دار الكتب العلمية

بيروت - لبنان

الطبعة: الأولى (1407 هـ - 1987 م)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید