المنشورات

العالَمُ العالي، برَأيِ مَعاشِرٍ

العالَمُ العالي، برَأيِ مَعاشِرٍ،
كالعالَمِ الهاوي، يُحِسُّ ويَعلمُ

زعَمَتْ رجالٌ: أنّ سَيّاراتِه
تَسِقُ العُقولَ، وأنّها تتكلّم

فهَلِ الكواكبُ مثلُنا في دينِها،
لا يَتّفِقْنَ، فهائِدٌ أو مُسلِم؟

ولعلّ مكّةَ في السّماءِ كمَكّةٍ،
وبها نضادِ ويذبُلٌ ويلَملم

والنّورُ، في حكمِ الخواطرِ، محدَثٌ،
والأوّليُّ هوَ الزّمانُ المُظلِم

والخَيرُ، بينَ النّاسِ، رَسمٌ داثِرٌ،
والشرُّ نَهجٌ، والبريّةُ مَعلَم

طَبعٌ خُلِقتَ علَيهِ ليسَ بزائلٍ،
طولَ الحياةِ، وآخرٌ متعلَّم

إنْ جارَتِ الأُمَراءُ جاءَ مؤمَّرٌ
أعْتى وأجورُ، يستَضيمُ ويكلِم

كحمائمٍ ظَلمتْ، فنادى أجدلٌ:
إن كنتِ ظالمَةً، فإنّي أظلَم

أرأيتَ أظفارَ الضّراغمِ عُوّدَتْ
فِرَةً، وأظفارَ الأنيسِ تُقَلَّم؟

وكذاكَ حكمُ الدّهرِ في سكّانِهِ،
عَيرٌ له أُذُنٌ، وهيقٌ أصلم

إن شئت أن تُكفى الحِمام فلا تعشْ
هذي الحياةُ إلى المَنيّةِ سُلّم

ماذا أفَدْتَ بأنّ دهرَكَ خافِضٌ،
وغناكَ مُنبَسطٌ، وعِرْسك غَيلم؟

أحسنْ بدنيا القومِ، لو كانَ الفتى
لا يُقتضَى، وأديمُهُ لا يحلَم

وكأنّما الأخرى تَيَقُّظُ نائمٍ؛
وكأنّما الأولى مَنامٌ يُحلَم

يتَشَبّهُ الطّاغي بطاغٍ مثلِهِ،
وأخو السّعادَةِ بينهمْ مَن يَسلَم

في النّاسِ ذو حِلمٍ يُسَفّهُ نَفسَهُ
كَيما يُهابَ، وجاهلٌ يَتحَلّم

وكِلاهُما تَعِبٌ، يحاربُ شيمَةً
غلَبَتْ، فآضَ، بحرْبِها، يتألّم

فالزَم ذَراك، وإن تشعّثَ جُدْرُه،
فالعِسُّ قد يُرويكَ، وهوَ مثلَّم








مصادر و المراجع :

١- ديوان أبي العلاء المعري

المؤلف: أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي المعري (363 - 449 هـ)

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید