المنشورات

قبل أن أدب على العصا

مر عروة بن الورد بمالك بن حمار الفزاري ونهاه عن الغزو وكان بينهما ما تقدم شرحه؛ فأعطاه مالك بعيراً فقسمه بين أصحابه، وسار حتى أتى أرض بني القين، وهم بأرض التيه، فهبط أرضاً ذات لخافيق؛ وهي الجحرة، الواحدة لخفوق، فيها ماء فرأى عليه آثاراً، فقال: هذه آثار من يرد هذا الماء، فاكمنوا، فأحر أن يكون قد جاءكم رزق، وفي أرض بني القين عرى من الشجر العظام إذا أجدب الناس رعوها، فعاشوا فيها. فأقام أصحاب عروة يوماً ثم ورد عليهم فصيل فقالوا: دعنا فلنأخذه فلنأكل منه يوماً أو يومين. فقال: إنكم إذاً تنفرون أهله وإن بعده إبلاً. فتركوه ثم ندموا على تركه، وجعلوا يلومون عروة من الجوع الذي جهدهم. ثم وردت إبل بعده بخمس فيها ظعينة ورجل معه السيف والرمح والإبل مائة متال. فخرج إليه عروة فرماه في ظهره بسهم أخرجه من صدره فخر ميتاً واستاق عروة الإبل والظعينة حتى أتى قومه. فقال في ذلك:
البحر: طويل
(أليس ورائي أن ادب على العصا ** فيَشمتَ أعدائي، ويسأمني أهلي)
(رهينةُ قَعْرِ البيتِ، كلَّ عشيّةٍ ** يُطيف بي الولدانُ أهدجُ كالرأل)
(أقيموا بني لبنى صدور ركابكم ** فكل منايا النفس خير من الهزل)
(فإنكم لن تبلغوا كل همتي ** ولا أربي حتى تروا منبت الأثل)
(فلو كنْتُ مثلوجَ الفؤاد، إذا بدَت ** بلا الأعادي لا أمر ولا أحلي)
(رجعت على حرسين إذ قال مالك ** هلَكتَ، وهل يُلحَى، على بُغيةٍ، مثلي)
(لعل انطلاقي في البلاد ورحلتي ** وشَدّي حَيازيمَ المطيّةِ بالرّحلِ)
(سيدفعُني، يوماً، إلى ربّ هَجمةٍ ** يدافع عنها بالعقوق وبالبخل)
(قليلٌ تَواليها، وطالبُ وِترِها ** إذا صحتُ فيها بالفوارسِ والرَّجل)
(إذا ما هبطنا منهلاً في مخوفة ** بعثنا ربيئاً في المرابئ كالجذل)
(يقلب في الأرض الفضاء بطرفه ** وهن مناخات ومرجلنا يغلي)
فأتى عروة بالإبل الكنيف فجعل يحلبها لهم، ثم حملهم حتى إذا دنوا من بلادهم وعشائرهم، أقبل يقسمها فيهم، وأخذ مثل نصيب أحدهم، واستخلص المرأة لنفسه، فقالوا: لا والله لا نرضى حتى نجعل المرأة نصيباً فمن شاء أخذها. فجعل يهم بأن يحمل عليهم فيقتلهم وينزع ما معهم، ثم يتذكر صنيعه بهم، وأنه إن فعل ذلك أفسد ما كان صنع. ففكر طويلاً ثم أجابهم إلى أن يرد عليهم الإبل إلا راحلة يحمل عليها امرأته، فأبوا إلا أن يجعلوا الراحلة لهم فانتدب رجل منهم فجعل الراحلة من نصيبه وأفقرها عروة أي منحها إياه منيحة إذا استغنى عنها ردها؛ فقال عروة يذكر أصحاب الكنيف والتواءهم عليه.
عنوان القصيدة: عروة وأصحاب الكنيف
البحر: طويل
(ألا إنّ أصحابَ الكنيفِ وجدتُهم ** كما الناس لما أخصبوا وتمولوا)
(وإنّي لمَدفوعٌ إليّ ولاؤهم ** بماوان إذ نمشي وإذ نتململ)
(وإذ ما يريح الحي صرماء جونة ** ينوسُ عليها رحلُها ما يحلّل)
(موقَّعةُ الصَّفقينِ، حدباء، شارفٌ ** تقيد أحياناً لديهم وترحل)
(عليها من الوِلدانِ ما قد رأيتُمُ ** وتمشي، بجَنبيها، أراملُ عُيَّل)
(وقلت لها يا أم بيضاء فتية ** طعامُهُمُ، من القُدورِ، المعجَّل)
(مضيغ من النيب المسان ومسخن ** من الماء نعلوه بآخر من عل)
البحر: الطويل
(فَإِنّي وَإِيّاكُم كَذي الأُمِّ أَرهَنَت ** لَهُ ماءَ عَينَيها تُفَدّي وَتَحمِلُ)
(فَلَمّا تَرَجَّت نَفعَهُ وَشَبابَهُ ** أَتَت دونَها أُخرى حَديداً تُكَحِّلُ)
(فَباتَت لِحَدِّ المِرفَقَينِ كِلَيهِما ** تُوَحوِحُ مِمّا نابَها وَتُوَلوِلُ)
(تُخَيَّرُ مِن أَمرَينِ لَيسا بِغِبطَةٍ ** هُوَ الثَكلُ إِلّا أَنَّها قَد تَجَمَّلُ)
(كَليلَةِ شَيباءَ الَّتي لَستَ ناسِياً ** وَلَيلَتِنا إِذ مَنَّ ما مَنَّ قِرمِلُ)
(أَقولُ لَهُ يا مالِ أُمُّكَ هابِلٌ ** مَتى حُبِسَت عَلى أَفَيَّحِ تُعقَلُ)
(بِدَيمومَةٍ ما إِن تَكادُ تَرى بِها ** مِنَ الظَمَأِ الكَومَ الجِلادَ تُنَوَّلُ)
(تُنَكَّرُ آياتُ البِلادِ لِمالِكٍ ** وَأَيقَنَ أَن لا شَيءَ فيها يُقَوَّلُ)











مصادر و المراجع :

١- ديوان عروة بن الورد

المؤلف: المؤلف: عروة بن الورد بن زيد العبسي، من غطفان من شعراء الجاهلية

المتوفى سنة (30 ق. هـ / 593 م)

حققه وأشرف على طبعه ووضع فهارسه: عبدالمعين الملوحي

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید