المنشورات
كل يوم رنة
(الطويل)
في هذه القصيدة يرثي خاله أبا الحسين أحمد بن الحسين الناصر، وقد توفي في رجب سنة 391.
لنا كلّ يوم رنّة خلف ذاهب، ... ومستهلك بين النّوى والنّوادب (3)
وقلعة إخوان كأنّا وراهم ... نرامق أعجاز النّجوم الغوارب
نوادع أحداث اللّيالي على شفا ... من الحرب لو سالمن من لم يحارب (4)
ونأمل من وعد المنى غير صادق، ... ونأمن من وعد الرّدى غير كاذب
وما النّاس إلّا دارع مثل حاسر ... يصاب، وإلّا داجن مثل سارب (5)
إلى كم نمنّى بالغرور، وننثني ... بأعناقنا للمطمعات الكواذب
وهل ينفع المغرور قرّب للنّوى ... تلوّم مغرور بأرجاء جاذب
لززنا من الدّهر الخؤون بمصدم ... يحطّم أشلاء القرين المجاذب (1)
هو القدر المجلوب من حيث لا يرى، ... وأعيا علينا ردّ تلك الجوالب
نراع إذا ما شيك أخمص بعضنا، ... وأقدامنا ما بين شوك العقارب
ونمسي بآمال طوال كأنّنا ... أمنّا بيات الخطب دون المطالب
نعم إنّها الدّنيا سمام لطاعم، ... وخوف لمطلوب، وهمّ لطالب
تصدّى لنا قرب الموامق ذي الهوى، ... ويختلنا كيد العدوّ المجانب، (2)
وإنّا لنهواها على الغدر والقلى، ... ونمدحها مع علمنا بالمعائب (3)
وحسبي من ضرّاء دهري أنّني ... أقيم الأعادي لي مقام الحبائب
ألم يأن، يا للنّاس، هبّة نائم ... رأى سيرة الأيّام أوجد لاعب؟
حدت بعصاها آل ساسان والتوت ... يداها بآل المنذرين الأشاهب (4)
وحلّت على أطلال عاد وحمير ... سنابكها حلّ الجياد اللّواغب (5)
نزلن قباب المنذر بن محرّق، ... وأندية الشّمّ الطّوال بمارب (6)
نبا ببني العنقاء ناب، وقعقعت ... عماد بني الرّيّان إحدى الشّواعب (7)
فقادتهم قود الأيانق في البرى، ... وزمّتهم زمّ القروم المصاعب (8)
أهبّت عليهم قاصفا من رياحها، ... فطاروا كما ولّى جفاء المذانب (1)
مسير مع الأقدار ما فيه ونية، ... ولا وقعة بعد اللّغوب لراكب
ومن كانت الأيّام ظهرا لرحله ... فيا قرب ما بين المدى والرّكائب
ومن أصبح المقدار حادي مطيّه، ... أجدّ بلا رزء، ولا سوط ضارب (2)
على مثلها يدمي الحليم بنانه، ... عضاضا على أيدي المنايا السّوالب
على أيّ خلق آمن الدّهر بعدما ... تباعد ما بيني وبين الأقارب
سنان على، عزّي، قناتي، ومضرب ... من المجد مستثنى به من مضاربي
ولمّا طوي طيّ البرود، وأقبلوا ... يهادونه بين الطّلى والمناكب (3)
صبرت عليه أطلب النّصر برهة ... من الدّهر ثمّ انقدت طوع الجواذب
تقطّعت الأسباب بيني وبينه، ... فلم تبق إلّا علقة للمناسب (4)
لئن لم نطل لدم التّرائب لوعة، ... فإنّ لنا لدما وراء التّرائب (5)
يتمّ تمام الرّمح زادت كعوبه، ... ويهتزّ للحمد اهتزاز القواضب
فلا الحلم في عرك الخطوب بعازب، ... ولا الرّيق في كرّ الرّزايا بناضب (6)
يداهي ضباب القاع، وهو كأنّه ... من اللّين غمر غير جمّ المذاهب (7)
إذا طبع الآراء ماطل غربها، ... فلم يمضها إلّا بإذن العواقب (8)
من القوم حلّوا في المكارم والعلى ... بملتف أعياص الفروع الأطايب (1)
أقاموا بمستنّ البطاح، ومجدهم ... مكان النّواصي من لؤيّ بن غالب (2)
بهاليل، أزوال، تعاج إليهم ... صدور القوافي أو صدور النّجائب (3)
عظام المقاري يمطرون نوالهم ... بأيدي مساميح سباط الرّواجب (4)
إذا طلبوا الأعداء كانوا نغيضة ... ليوم الوغى من قبل جرّ الكتائب (5)
وباتوا مبيت الأسد تلتمس القرى ... بمطرورة الأنياب عوج المخالب (6)
وأضحوا على الأعواد تسمو لحاظهم ... كلمح القطاميّات فوق المراقب (7)
فما شئت من داع إلى الله مسمع، ... ومن ناصر للحقّ ماضي الضّرائب
هم استخدموا الأملاك عزّا وأرهفوا ... بصائرهم بعد الرّدى والمعاطب
وهم أنزلوهم بعد ما امتدّ غيّهم ... جماما على حكم من الدّين واجب (8)
تساموا إلى العزّ الممنّع، وارتقوا ... من المجد أنشاز الذّرى والغوارب (9)
على إرث مجد الأوّلين تعلّقوا ... ذوائب أعناق العلى والمناصب
بحيث ابتنت أمّ النّجوم منارها، ... وأوفت ربايا الطّالعات الثّواقب (10)
لهم ورق من عهد عاد وتبّع ... حديد الظّبى إلّا انثلام المضارب (1)
فضالات ما أبقى الكلاب وطخفة، ... وما أسأر الأبطال يوم الذّنائب (2)
بهنّ فلول من وريدي عتيبة، ... ونضخ نجيع من ذؤاب بن قارب (3)
تقلقل في الأغماد هزلا، وخطبها ... جسيم إذا جرّبن بعض التجارب
غدوّا إلى هدم الكواهل والطّلى، ... وعود إلى حذف الذّرى والعراقب
لتبك قبور أفرغ الموت تحتها ... سجال العطايا بعدهم والرّغائب (4)
وطاب ثراها، والثّرى غير طيّب، ... وذاب نداها، والنّدى غير ذائب
كأنّ اليماني ذا العياب بأرضها، ... يقلّب من دارين ما في الحقائب
إذا اجتاز ركب كان أجود عندها ... بعقر المطايا من سحيم وغالب (5)
أفي كلّ يوم يعرق الدّهر أعظمي، ... وينهس لحمي جانبا بعد جانب (6)
فيوما رزايا في صديق مصادق ... ويوما رزايا في قريب مقارب
فكم فلّ منّي ساعدا بعد ساعد، ... وكم جبّ منّي غاربا بعد غارب (7)
وفادحة يستهزم الصّبر باسمها، ... وتظمى إلى ماء الدموع السّواكب (8)
صبرنا لها صبر المناكب حسبة، ... إذا اضطرب الناس اضطراب الذوائب (9)
تعاصي أنابيب الحلوم جلادة، ... وتهفو يراعات العقول العوازب (1)
كظوما على مثل الجوائف أتعبت ... نطاسيّها من قارف بعد جالب (2)
تحلّ الرّزايا بالرّجال وتنجلي، ... وربّ مصاب ينجلي عن مصائب
من اليوم يستدعي منازلك البكا، ... إذا ما طوى الأبواب مرّ المواكب
وتضحك عنك الأرض أنسا وغبطة، ... وتبكيك أخدان العلى والمناقب
سقاك الحيا إن كان يرضى لك الحيا ... بغرّ الأعالي مظلمات الجوانب
تمدّ بأرداف ثقال وترتمي ... على عجرفيّات الصّبا والجنايب (3)
كأنّ لواء يزدحمن وراءه، ... إذا اختلج البرق ازدحام المقانب (4)
بودق كأخلاف العشار استفاضها ... تداعي رغاء من مبسّ وحالب (5)
يقرّ بعيني أن تطيل مواقفا ... عليك مجرّ المدجنات الهواضب (6)
وأن ترقم الأنواء تربك بعدها ... بكلّ جديد النّور رقم الكواكب
ذكرتكم، والعين غير محيلة، ... فأنبطت غدران الدّموع السّواكب (7)
وما جالت الألحاظ إلّا بقاطر ... ولا امتدّت الأنفاس إلّا بحاصب
وهل نافعي ذكر الأخلّاء بعده، ... جرى بيننا مور النّقا والسّباسب (8)
مصادر و المراجع :
١- ديوان الشريف الرضي
المؤلف: محمد بن
الحسين بن موسى، أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني الموسوي.
المصدر: الشاملة
الذهبية
18 يونيو 2024
تعليقات (0)