المنشورات
إباء أقام الدهر
(الطويل)
يمدح الشريف الرضي في هذه القصيدة اسماعيل بن عباد صاحب مدينة إشبيلية ومؤسس الدولة العبادية في الأندلس، وذلك سنة 375. وهو لم يرسل إليه القصيدة.
إباء أقام الدّهر عنّي وأقعدا، ... وصبر على الأيّام أنأى وأبعدا
وقلب تقاضاه الجوانح أنّة، ... إذا راح ملآنا من الهمّ، أو غدا
أخوذ على أيدي المطامع بالنّوى ... نزاعا، وما يزداد إلّا تبعّدا (1)
إذا ركبت آماله ظهر نيّة، ... رأيت غلاما غائر الشّوق منجدا (2)
غذيّ زماع لا يملّ كأنّما ... يرى اللّيل كورا والمجرّة مقودا (3)
يلثّم عرنين الحسام بهمّة ... تكلّفه خوض اللّيالي مجرّدا (4)
أيّا خاطبا ودّي على النّأي، إنّني ... صديقك إن كنت الحسام المهندا
فإنّي رأيت السّيف أنصر للفتى، ... إذا قال قولا ماضيا أو توعّدا
أرى بين نيل العزّ والذّلّ ساعة ... من الطّعن تقتاد الوشيج المقصّدا (5)
فمن أخّرته نفسه مات عاجزا، ... ومن قدّمته نفسه مات سيّدا
إذا كان إقدام الفتى ضائرا له، ... فما المجد مطلوبا، ولا العزّ مفتدى
فدى لابن عبّاد ضنين بنفسه، ... إذا نقض الرّوع الطّراف الممدّدا (6)
ودبّر أطراف الرّماح، وإنّما ... يدبّر قبل الطّعن رأيا مسدّدا
به طال من خطوي، وكنت كأنّني ... مشيت إلى نيل المعالي مقيّدا
ومن مات في حبس المذلّة قلبه ... رأى العزّ في دار المذلّة مولدا
يسرّ الفتى حمل النّجاد، وربّما ... رأى حتفه في صفحتي ما تقلّدا
لنال المعالي من يدلّ بنفسه، ... ولا يذخر الآباء مجدا موطّدا (7)
وما يستفاد العزّ من شيمة الفتى ... إذا كان في دين المعالي مقلّدا
أبا قاسم هذا الذي كنت راجيا، ... لأرغم أعداء، وأكبت حسّدا
إذا جزعت أيّامنا كنت معقلا ... وإن ظمئت آمالنا كنت موردا
ولمّا رأيت الثّوب يعفي قرينه، ... لبست إليك الشّرعبيّ المعضّدا (1)
ولو كان لا يجني على المرء بأسه ... لدرّعني العزم الدّلاص المسرّدا (2)
وليل دفعناه إليك، كأنّما ... دفعنا به لجّا من اليمّ مزبدا
وشمس خلعناها عليك مريضة، ... وكنّا لبسناها رداء مورّدا
وملك أنفنا أن نقيم ببابه، ... فزوّدنا زاد امرئ ما تزوّدا
وأمرد حيّ ملتح بلثامه، ... يطول جوادا قادح السّنّ أجردا (3)
رأى أرجل الخوص الخماص كأنّما ... تسالب أيديها النّجاء العمرّدا (4)
تركنا لأيدي العيس ما خلف ظهرها ... ومن ذلّ في دار رأى البعد أحمدا
وسرنا على رغم الظّلام كأنّنا ... بدور تلاقي من جنابك أسعدا
تركت إليك النّاس طرّا كأنّني ... أرى كلّ محجوب بعيرا معبّدا (5)
فيا ليت رعيان القضيمة خبّروا ... بأنّي رعيت العزّ غضّا مجدّدا (6)
فلله نور في محيّاك، إنّه ... يمزّق جلبابا من اللّيل أربدا (7)
ولله ما ضمّت ثناياك، إنّها ... ثنايا جبال تطلع البأس والنّدى
أغر ضوءها، يا قبلة المجد إنّني ... أرى غرر الآمال نحوك سجّدا (8)
وأنت الذي ما احتلّ في الأرض مقعدا ... من الحدّ إلّا اشتقّ في الجوّ مصعدا
إذا ظمئت عيس إليك، فإنّما ... حقائبها تروي لجينا وعسجدا
تكتّمك الأسرار حزما وفطنة، ... وتفضحك الآراء عزّا وسؤددا
وما كنت إلّا السّيف يعرف منتضى، ... وينكر في بعض المواطن مغمدا
وحيّ جلال قد صبحت بغارة ... من الخيل يستاق النّعام المشرّدا (1)
ويوم من الأيّام شوّهت وجهه ... بأغبر كدّ الطّير حتّى تبلّدا (2)
رمت بك أقصى المجد نفس شريفة، ... وقلب جريء لا يخاف من الرّدى
وهمّة مقدام على كلّ فتكة، ... يفارق فيها طبعه ما تعوّدا
مقيم بصحراء الضّغائن مصحرا، ... إذا أخمدت من نارها الحرب أوقدا
لك القلم الماضي الذي لو قرنته ... بجري العوالي كان أجرى وأجودا
إذا انسلّ من عقد البنان حسبته ... يحوك على القرطاس بردا معمّدا (3)
يغازل منه الخطّ عينا كحيلة ... إذا عاد يوما ناظر الرّمح أرمدا
وإن مجّ نصل من دم الصّرب أحمرا ... أراق دما من مقتل الخطب أسودا (4)
إذا استرعفته همّة منك غادرت ... قوادمه تجري وعيدا وموعدا (5)
سأثني بأشعاري عليك، فإنّني ... رأيت مسود القوم يطري المسوّدا (6)
فما عرّفتني الأرض غيرك مطلبا، ... ولا بلّغتني العيس إلّاك مقصدا
ألا إنّ ترك الحمد تبخيل محسن، ... وما بذل المعطاء إلّا ليحمدا
لئن كنت في مدح العلى فاغرا فما، ... فإنّي إلى غير النّدى باسط يدا
خطبت إليك الودّ لا شيء غيره، ... وودّ الفتى كالبرّ يعطى ويجتدى
دعاني إليك العزّ حتّى أجبته، ... ومن طلبته جمّة الماء أوردا (1)
وإنّي لأرجو من جوارك فعلة، ... أغيظ بها الحسّاد مثنى وموحدا
ومدحك هذا بكر مدح مدحته ... وكنت أروض القول حتّى تسدّدا
ولو علقت منّي بغيرك مدحة، ... لكنت كمن يعتاض بالماء جلمدا
ولست براض هذه لك تحفة، ... أضمّنها فيك الثّناء المخلّدا
فإن كان شعري فاتك اليوم آبيا ... عليّ، فإنّي سوف أعطيكه غدا
ولولاك ما أومى إلى المدح شاعر ... يعدّ عليّا للعلى ومحمّدا (2)
أبوه أبوه المستطيل بنفسه، ... على العزّ مصروفا به ومقلّدا
فتى سنّه عن خمس عشرة حجّة ... تربّى له فضلا ومجدا ومحتدا (3)
فتيّ الصّبا كهل الفضائل ما مشى ... إلى العمر إلّا احتلّ في الفضل مقعدا
تفرّد لا يفشي إلى غير نفسه ... حديثا ولا يدعو من النّاس منجدا
ولا طالبا من دهره فوق قوته، ... كفاني من الغدران ما نقع الصّدى
سأحمد عيشا صان وجهي بمائه، ... وإن كان ما أعطى قليلا مصرّدا (4)
وقالوا: لقاء النّاس أنس وراحة، ... ولو كنت أرضى النّاس ما كنت مفردا
طربت إلى الفضل الذي فيك وانتشى ... لذكرك شعري راقدا ومسهّدا
وما كنت إلّا عاشقا ضاع شجوه، ... فأصبح يستملي الحمام المغرّدا
وليس عجيبا إن طغى فيك مقول، ... رآك حقيقا في المعالي، فجوّدا
بعدت عن الإنشاد من غير رغبة، ... ولكنّني استخلفت نعماك منشدا
فمرني بأمر قبل موتي، فإنّني ... أرى المرء لا يبقى وإن بعد المدى
وما الميت إلّا راحل كره النّوى، ... وأعجله المقدار أن يتزوّدا
مصادر و المراجع :
١- ديوان الشريف الرضي
المؤلف: محمد بن
الحسين بن موسى، أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني الموسوي.
المصدر: الشاملة
الذهبية
21 يونيو 2024
تعليقات (0)