المنشورات
أثر الهوادج
(الكامل)
في هذه القصيدة يمدح أيضا اسماعيل بن عباد وقد بلغه أن بعض شعره وصله فأعجب به وأنفذ إلى بغداد من يستنسخ تمام شعره.
أثر الهوادج في عراص البيد، ... مثل الجبال على الجمال القود
يطلعن من رمل الشّقيق لواغبا ... زحف الجنوب بعارض ممدود (1)
كم بان في المتحمّلين عشيّة، ... من ذي لمى خصر الرّضاب برود (2)
وقضيب إسحلة لو انعطف الصّبا ... يوما لنا بقوامه الأملود (3)
مرّوا على رملي زرود، فهل ترى ... إلصاقة لحشى برمل زرود (4)
متلفّتين من القباب، كأنّما ... انتقبوا بأعين ربرب وخدود
غرسوا الغصون على النّقا وترنّحوا ... من كلّ مائلة الغدائر رود (5)
إنّ اللآلي بين أصداف اللّمى، ... غلبت مراشفها على مجلودي (6)
ولووا بوعدي يوم خفّ قطينهم، ... ومن الصّدود اللّيّ بالموعود (7)
لم ترضني تلك اللّيالي عنهم ... بنوالهم، فأقول يوما: عودي
سيّان قربهم عليّ، وبعدهم، ... لولا الجوى وعلاقة المعمود (8)
ربعت على آثاركم نجديّة، ... غرّاء ذات بوارق ورعود
تسقي معالم منكم، لولا النّوى ... لم أرمها بقلى، ولا بصدود (1)
ولعجت فيها طارحا عن ناظري، ... ثقل الدّموع، وثانيا من جيدي
هل تبردون حرارة من حائم ... حرّان عن ذاك الغدير مذود (2)
فلقد تمعّك في مواطئ عيسكم ... يوم الوداع، تمعّك الموؤود (3)
وأما وذيّاك الغزيّل إنّه ... عرض الزّلال وحال دون ورودي
أغدو إلى طرد الظّباء، وأنثني، ... وأنا الطّريدة للظّباء الغيد
حتام تعتلق البطالة مقودي، ... ويعودني لهوى الظّعائن عيدي
عشرون أردفها الزّمان بأربع، ... أرهفنني، ومنعن من تجريدي (4)
أعلقت في سرب الخطوب حبائلي، ... وقدحت في ظلم الأمور زنودي
وكرعت في حلو الزّمان ومرّه ... ما شئت واعتقب العواجم عودي (5)
وفرعت رابية العلى، متمهّلا، ... أجري أمام الطّالب المجهود (6)
وخبطت في المتعرّضين بقولة ... جدّاء من بدع الزّمان شرود (7)
فضربت أوجههم بغير مناصل، ... وهزمت جمعهم بغير جنود
ما ضرّني، لمّا فللت غروبهم، ... أنّي كثرت لهم وقلّ عديدي
وأبي الذي حسد الرّجال قديمه، ... إنّ المناقب آية المحسود
ذو السّنّ والشّرف الذي جمعت به ... كفّاه أخمطة العلى، والجود (8)
إحدى أخامصه رقاب عداته، ... من سيّد بلغ العلى ومسود
فالآن إذ نبذ المشيب شبيبتي، ... نبذ القذى، وأقام من تأويدي
وفررت من سنّ القروح تجاربا، ... وعسا على قعس السّنين عمودي (1)
ولبست في الصّغر العلى مستبدلا ... أطواقها بتمائم المولود
وصفقت في أيدي الخلائف راهنا ... لهم يدي، بوثائق وعقود (2)
وحللت عندهم محلّ المجتبى، ... ونزلت منهم منزل المودود
فغر العدوّ يريد ذمّ فضائلي، ... هيهات ألجم فوك بالجلمود
همسا، فكم أسكتّ قبلك كاشحا ... بمناقبي، وعليّ فضل مزيد
ما لي أريغ النّصف من متحامل، ... أو أطلب الإجمال عند حسود
أم كيف يرأمني وليس بمنجبي، ... أترى الرّؤوم تكون غير ولود (3)
فلأنهضنّ إلى المعالي نهضة ... ملء الزّمان تفي بطول قعودي
إجمح أمامك إن هممت بفعلة، ... وتغاب عن عذل وعن تفنيد (4)
وإذا التفتّ إلى العواقب بدّلت ... قلب الجريّ بمهجة الرّعديد (5)
قد قلت للإبل الطّلاح حدوتها ... غلس الظّلام بسائق غرّيد
من كلّ مضطرب الزّمام، كأنّه ... في اللّيل زمّ بأرقم مطرود (6)
قتل الطّوى أجوافها بظهورها، ... وأحلّ أكل لحومها للبيد (7)
إن لم تري كافي الكفاة، فلم يزل ... منكنّ مسقط ظالع أو مود (1)
بهداه يستضوي الورى وبهديه ... قرب الطّريق لهم إلى المعبود
أسد إذا جرّ القبائل خلفه، ... حلّ الطّلى بلوائه المعقود (2)
ومقصّر في الطّول غير مقصّر ... في الضّرّب يقطع كلّ حبل وريد
ومزعزع مثل الجرير، إذا انحنى ... للطّعن شيّع بالطّوال الميد (3)
ما مرّ يسحب منه إلّا ردّه ... ريّان يقطر من دماء الصّيد (4)
والجيش يرفع عمّة من قسطل ... فوق القنا ويجرّ ذيل حديد
سلف لكلّ كتيبة يطأ العدى، ... فيها مفاجأة بغير وعيد
في غلمة حملوا القنا، وتحمّلوا ... أعباء يوم المأزق المشهود
قوم، إذا ركبوا الجياد تجلببوا ... بقساطل وتعمّموا ببنود
وإذا سروا كمنوا كمون أراقم، ... وإذا لقوا برزوا بروز أسود
وإذا هتفت بهم ليوم كريهة، ... تدمى غوارب نحرها المورود
كثروا الحصى بجموعهم وتلاحقوا ... بك من قيام في السّروج قعود
كم من عدوّ قد أبات كأنّما ... يطوي الضّلوع على قنا مقصود
لوعيد محتضر العدى بحسامه، ... قبل احتمال ضغائن وحقود
ومؤلّلات كالرّماح تلمّظت ... فيها المنون تلمّظ المزؤود (5)
سود المخاطم ينتظمن محاسنا ... بيضا، يضئن على اللّيالي السّود
كتفتّح النّوّار فتّقه الحيا، ... أو كالصّباح فرى الدّجى بعمود
ما زال قدر من عقيرة سيفه ... علما أمام رواقه الممدود (1)
وجفان جود كالرّكايا تستقى ... أبدا بأيدي نزّل ووفود
كم حجّة لك في النّوافل نوّهت ... بدعاء دين العدل والتّوحيد
ومجادل أدمى جدالك قلبه، ... وأعضّه بجوانب الصّيخود (2)
وشفيت ممترض الهدى من معشر ... سدّوا من الآراء غير سديد
قارعتهم بالقول حتّى أذعنوا، ... وأطلت نوم الصّارم المغمود
جمر بمسهكة الرّياح نسفته، ... كان الضّلال يمدّه بوقود (3)
في كلّ معضلة أضبّ رتاجها، ... يلقي إليك الدّين بالإقليد (4)
فالله يشكر والنّبيّ محمّد ... وقفات مبد في النّضال معيد
رأي يغبّ، إذا الرّجال تلهوجوا ... الآراء، أو عجلوا عن التّسديد (5)
لو كان يمكنني التّقلّب لم يكن ... إلّا إليك تهائمي ونجودي
وطويت، ما بعدت، مسافة بيننا، ... إنّ البعيد إليك غير بعيد
وأنخت عيسي في جنابك طارحا ... بفناء دارك أنسعي وقتودي (6)
وتركت أسوقها نكوس عقيرة ... متبدّلات صوارم بقيود
بيني وبينك حرمتان تلاقتا، ... نثري الذي بك يقتدي وقصيدي
ووصايل الأدب الذي تصل الفتى ... لا باتّصال قبائل وجدود
قد كنت أعقل عن سواك عقائلي، ... وأصون درّ قلائدي وعقودي
وأحوك أفواف القريض، فلا أرى ... أنّي أدنّس باللّئام برودي
ولقد ذممت النّاس قبلك كلّهم، ... فالآن طرّق لي إلى المحمود
إن أهد أشعاري إليك، فإنّه ... كالسّرد أعرضه على داود
لكنّني أعطيت صفو خواطري، ... وسقيت ما صبّت عليّ رعودي
وسمحت بالموجود عند بلاغتي ... إنّي كذاك أجود بالموجود
مصادر و المراجع :
١- ديوان الشريف الرضي
المؤلف: محمد بن
الحسين بن موسى، أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني الموسوي.
المصدر: الشاملة
الذهبية
21 يونيو 2024
تعليقات (0)