المنشورات

بغير شفيع

(الطويل)
في هذه المطوّلة يمدح والده ويذم بعض أعدائه، وقد نظمها سنة 374.
بغير شفيع نال عفو المقادر، ... أخو الجدّ لا مستنصرا بالمعاذر
وأعجب فعلا من قعودي على العلى، ... سراي بأعقاب الجدود العواثر
أؤمّل ما أبقى الزّمان، وإنّما ... سوالفه معقودة بالغوابر
فخلّ رقاب العيس يجذبها السّرى ... بآمال قوم محصدات المرائر (2)
فما التذّ طعم السّير إلّا بمنية، ... وإنّ الأماني نعم زاد المسافر
ودون مداراة المطيّ على الوجى ... مشاغبة الأشجان دون الضّمائر (3)
فليت قلوب العاشقين إذا ونى ... بها السّير كانت في صدور الأباعر
ولله قلبي ما أرقّ على الهوى، ... وأصبى إلى لثم الخدود النّواضر
يحنّ إلى ما تضمن الخمر والحلى، ... ويصدف عمّا في ضمان المآزر (4)
ولمّا غدونا للوداع ونقّرت ... صروف النّوى دون الخليط المجاور (1)
عنيت من القلب العفيف بعاذل، ... ومن خدع الشّوق السّفيه بعاذر
عشّية لا عرس الوفاء بمرمل ... لدينا، ولا أمّ الصّفاء بعاقر (2)
ومن لم ينل أطماعه من حبيبه ... رضي، غير راض، بالخيال المزاور
وكنت أذود الدّمع إلّا أقلّه ... لسقيا حمى من بعد بينك داثر
وإنّي لا أرضى، إذا ما تحمّلت ... إليه مرابيع السّحاب المواطر
كليني إلى ليل، كأنّ نجومه ... تغازل طرفي عن عيون الجآذر (3)
أمرّ بدار منك مشجوجة الثّرى ... بمجرى نسيم الآنسات الغرائر (4)
تمرّ عليها الرّيح، وهي كأنّها ... تلفّت في أعطاف تلك المقاصر
ويشهق فيها بالأصايل والضّحى ... حيا كلّ عرّاص الشّآبيب ماطر (5)
ويستنّ فيها البرق حتّى تخاله ... يفيض بفيض القطر في كلّ حاجر
ولمّا رأيت اللّيل مسترق الخطى، ... وأطرافه تجلو وجوه التّباشر (6)
أرقت لأجفان الرّكائب هبّة ... بألحاظ جوّال العزائم ساهر
رسيما به يعتلّ بالأعين الكرى، ... وينشقّ عن مكنونه كلّ ناظر (7)
بيهماء يستغوي الحداة سرابها ... على ظما بين الجوانح ثائر (8)
ويحبو بها الأعياس حتّى كأنّها ... تنصّ على أخفافها بالكراكر (1)
ومولى أدانيه على السّخط والرّضى، ... ويبعط عنّي، والقنا في الحناجر (2)
يهزّ عليّ السّوط، والرّمح دونه، ... وهزّ العوالي غير هزّ المخاصر
عطفت له صدر الأصمّ، وتحته ... عواطف أسباب الحقود النّوافر
فخرّ، وفيه للطّعان مناظر ... يطالعها طير الفلا بالمناسر
فما ظفرت من نفسه أمّ قشعم، ... بما ظفرت من جسمه أمّ عامر (3)
وركب تفادى النّوم أن يستخفّه ... إذا ما الكرى ألقى يدا في المحاجر
وردت به بحبوحة الورد، فانثنى ... يقلّص صافي مائه في المشافر
وغادر أحشاء الغدير ضوامرا، ... من الماء في ظمء النّواحي الضّوامر
ورود خفيف الورد أوّل وارد ... طروقا إلى ماء، وأوّل صادر
إذا هزّ أطراف الخليج رمت به ال ... موارد خفّا في وجوه المصادر
وكان إذا ما عاقه بعد مطلب ... يضعضع أعضاد المطيّ الزّوافر
تمرّس بالأيّام حتّى ألفنه، ... وكرّ على أحداثها والدّوائر
وأخطأ سهم القطر مقتل محله ... فزمّ قسيّ العاديات الهوامر (4)
فتى حين أكدت أرضه هجمت به ... على لابن من آل عدنان تامر (5)
على ماجد لا يسرح اللّؤم عنده، ... ولا تدّرى أفعاله بالمناكر (6)
إذا راوح الرّعيان ليلا سوامه، ... فقد لفّها جنح الظّلام بعاقر
تفرّعت حتّى عوّدتني رماحه، ... فعوّدت من سوء الظّنون سرائري
تشابه أيّامي به، فكأنّما ... أوائلها ممزوجة بالأواخر
هو الواهب الألف الّتي لو تسومها ... قبيلا، فداها بالجديل وداعر (1)
يطول إذا مدّ الرّدينيّ باعه، ... وعانق أعناق الرّجال المساعر (2)
فيفري طريقا للسّبار، كأنّما ... لها ذمّة في الطّعن، رسل المسابر (3)
تعلّق في ثني العرين بعزمة ... تذلّل أمطاء اللّيوث الخوادر
فطرّدها حتّى استباح شبولها، ... وما ضعضعته أسدها بالزّماجر
يخفّ إليه الجيش، حتّى كأنّه ... يمدّ بأعناق النّعام النّوافر
جزى الله عنه الخيل ما تستحقّه ... إذا رقصت بالدّارعين المغاور
وخبّت على بيداء تشرق ماءها ... عن الرّكب في طيّ العيون الغوائر (4)
تمرّ على المعزاء خفّاقة الحصى، ... وتحثو بوجه الشّمس ترب القراقر (5)
وتسترعف الآفاق لمع صفائها ... بمغبّرة تمحو سطور الهواجر (6)
حمى بيضة الإسلام بالحقّ فاحتمت ... وقرّت بأعشاش الرّماح الشّواجر
ومن قبل ما كانت تقلقل خيفة ... وترقب في الأيّام وهصة كاسر (7)
إذا عبّقت أخلاقه أرج العلى، ... تضوّع في الحيّين كعب وعامر
ولمّا انجلت من حوزة الشّرك فرصة ... تقنّصها والدّين دامي الأظافر
تداركها والرّمح يركب رأسه، ... فيرعف من قطر الدّماء القواطر
بطعن كولغ الذّئب، إن زعزع القنا ... سقاها شآبيب الدّماء الموائر (1)
أفاض على عدنان فضل وقاره، ... وقد مسّها طيش السّهام الغوائر
فبوّأ أوفاهم يدا قلّة العلى ... ومدّ بأضباع الرّجال البحاتر (2)
إذا جنبوه للرّهان أتوا به ... جوادا يفدّى شاؤه باليعافر (3)
يغطّي على أوضاحها بغباره، ... ويخرج سهلا من جنوب الأواعر
إذا ذكروه للخلافة لم تزل ... تطلّع من شوق رقاب المنابر
لعلّ زمانا يرتقي درجاتها ... بأروع من آل النّبيّ عراعر (4)
ومن لي بيوم أبطحيّ سروره، ... يجوّل ما بين الصّفا والمشاعر
فها إنّ طوق الملك في عنق ماجد ... وإنّ حسام الحقّ في كفّ شاهر
ويا ربّ قوم ما استعاضوا لذلّة ... شهيق العوالي من حنين المزامر
كؤوسهم أسيافهم وخضابها ... إذا جرّدوها من دماء المعاصر
رضوا بخيال المجد والشّخص عنده، ... وما قيمة الأعراض عند الجواهر
هم تبعوه مقصرين، وربّما ... توسّدت الأظلاف وقع الحوافر
إذا عدّدوا المجد التّليد تنحّلوا ... على تتبرّى من عقود الخناصر
حريّون إلّا أن تهزّ رماحهم، ... ضنينون إلّا بالعلى والمفاخر
هم انتحلوا إرث النّبيّ محمّد، ... ودبّوا إلى أولاده بالفواقر (5)
وما زالت الشّحناء بين ضلوعهم ... تربّي الأماني في حجور الأعاصر
إلى أن ثنوها دعوة أمويّة، ... زوتها عن الإظهار أيدي المقادر
ولو أنّ من آل النّبيّ مقيمها ... لعاجوا عليه بالعهود الغوادر
فما هرقوا في جمعها ريّ عامل ... ولا قطعوا في عقدها شبع طائر
وقد ملأوا منها الأكفّ، وأهلها، ... فما ملأوا منها لحاظ النّواظر
فراشوا لهم نبل العداوة بعد ما ... بروها وكانت قبل غير طوائر (1)
شهدت لقد أدّى الخلافة سيفه ... إلى جانب من عقوة الدّين عامر (2)
يفرّق ما بين الكؤوس وشربها، ... ويجمع ما بين الطّلى والبواتر (3)
فيرفع صدر السّيف إن حطّ كأسه، ... ويمري دماء الهام إن لم يعاقر
وينهض مشتاقا إلى مصرخ القنا، ... فيسحب بردي فاسق السّيف طاهر
معظّم حيّ ما رمته هجيرة، ... فقعقع في أعراضها بالهواجر
ولمّا طغت عيلان في عشق غيّها ... رماها من الكيد الوحيّ بساحر (4)
رماهم من الرّمح الطّويل بحالب، ... ومن شفرة العضب الحسام بجازر
وأضرم نارا، فاسترابوا بضوئها، ... وما هي إلّا للضّيوف السّوائر
فلمّا تراخت في الضّلال ظنونهم ... تراخى فطارت ناره في العشائر
ولمّا أروه نفرة العار خافها، ... ولو نفرت أرماحهم لم تحاذر
فأرسلها شعواء تقدح نارها ... على جنبات الأمعز المتزاور (5)
شماطيط يجرون الحديد كأنّما ... مشين على موج من اليمّ زاخر (6)
عليها من البيض العوارض فتية ... خضاب قناها من دماء المناحر
مفارق لا يعلو عليها مطاول، ... غداة وغى، إلّا قباب المغافر (7)
فجاؤوك والخيل العتاق طلائح ... تضاءل من عبء الرّماح العواثر
وما حرّكوها للطّعان، كأنّما ... زجاج قناها علّقت بالأشاعر
وجارت سهام الموت فيهم، وإنّما ... دليل المنايا في السّهام الجوائر
وطأتهم باللّاحقيّات وطأة ... تذلّل خدّ الجانب المتصاغر (1)
فأزعجت دارا منهم مطمئنّة، ... وأخليتها من كلّ عاف وسامر (2)
شننت بها الغارات حتّى ترابها ... يثور على العادات من غير حافر
وكلّ فتاة من نزار تركتها ... تريع إلى ظلّ الرّبوع الدّواثر
تحشّش في أذيالها مستكينة، ... وتحطب ذلّا في حبال الغدائر (3)
وكلّ غلام منهم شام سيفه ... رأى فيه وجه الحقّ طلق المناظر
ولمّا امتطى ظهرا من الغيّ كاسيا ... تندّم أن أعرى ظهور البصائر
جفته العلى، فانسلّ من عقداتها، ... وما علقت أعطافه بالمآثر
ولو لم تمسّح بالأمان رؤوسهم ... لما أنست هاماتهم بالغفائر
تفرّت قلوب القوم حتّى تهتّكت ... بما استترت فيه بنات السّرائر
أبا أحمد ثق بالمعالي، فإنّها، ... إذا لم ترع بالبخل غير غوادر
فما مالك المدخور إلّا لطالب، ... ولا ربعك المعمور إلّا لزائر
ولا تطلبا ثار الرّماح، وإنّما ... دماء المعالي في رقاب الجرائر (4)
جلوت القذى عن مقلتيّ فباشرت ... صنيعك أجفاني بألحاظ شاكر
فإن هزّ يوما فرع ملكك حاسد ... فإنّ المعالي محكمات الأواصر
هو العود سهل للسّماح جناته، ... ولكن على الأعداء وعر المكاسر
أذمّ على الأيّام من كلّ حادث، ... وحاط جناب الدّين من كلّ ذاعر (1)
وضمّ شفاه الوحش حتّى ظننته ... سيصدى صقالا في نيوب القساور (2)
وما زال يسمو بالمعالي كأنّها ... تجرّ إليه بالنّجوم الزّواهر
له سابقات القبل في كلّ أوّل، ... مضى، وبقاء البعد في كلّ آخر
ترفّع في العلياء عن وصف مادح، ... ورفّعت عن مدح الملوك خواطري
فما هو لولا ما أقول بسامع ... ولا أنا لولا ما يمنّ بشاعر














مصادر و المراجع :

١- ديوان الشريف الرضي

المؤلف: محمد بن الحسين بن موسى، أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني الموسوي.

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید