المنشورات

أحشاء كالجمر

(الكامل)
كان الشاعر متوجها من الري إلى مدينة السلام فوصله خبر وفاة صديقه المظفر أبي الحسن عبيد الله بن محمد الذي توفي في ذي القعدة سنة 387، فرثاه بهذه القصيدة.
أو ما رأيت وقائع الدّهر، ... أفلا تسيء الظنّ بالعمر
بينا الفتى كالطّود تكنفه ... هضباته، والعضب ذي الأثر
يأبى الدّنيّة في عشيرته، ... ويجاذب الأيدي على الفخر
وإذا أشار إلى قبائله، ... حشدت إليه بأوجه غرّ
يترادفون على الرّماح كأنّهم ... سيل يعبّ وعارض يسري
إن نهنهوا زادوا مقاربة، ... فكأنّما يدعون بالزّجر (1)
عدد النّجوم، إذا دعي بهم، ... يتزاحمون تزاحم الشّعر
عقدوا على الجلّى مآزرهم، ... سبط الأنامل طيّبي الأزر (2)
زلّ الزّمان بوطء أخمصه، ... ومواطئ الأزمان للعثر
نزع الإباء، وكان شملته، ... وأقرّ إقرارا على صغر
صدع الرّدى أعيا تلاحمه، ... من ألحم الصّدفين بالقطر؟ (3)
جرّ الجياد على الوجى ومضى ... أمما يدقّ السّهل بالوعر (4)
حتّى التقى بالشّمس مغمده ... في قعر منقطع من البحر
ثمّ انثنت كفّ المنون به، ... كالضّغث بين النّاب والظّفر (1)
لم تشتجر عنه الرّماح، ولا ... ردّ القضاء بماله الدّثر (2)
جمع الجنود وراءه، فكأنّما ... لاقته، وهو مضيّع الظّهر
وبنى الحصون تمتّعا فكأنّما ... أمسى بمضيعة، ولا يدري
وبرى المعابل للعدى فكأنّما ... لحمامه كان الذي يبري (3)
هذا عبيد الله حين رمى ... عرض العلى، وأبى على الدّهر
ورمت به العيّوق همّته، ... فوطي رقاب الأنجم الزّهر (4)
غلبت مآثره النّجوم على ... عرصاتها، وبدأن بالبدر (5)
وتناذر الأعداء صولته، ... فأبات أشجعهم على ذعر
قادت حزامته المنون فلم ... تمنع مضارب بيضه البتر
نكصت أسنّته وأحجم جنده ... جزعا لمطلع ذلك الأمر
قد كان مشهورا إذا ذكرت ... خطط الوغى ومواقف الصّبر
متهلّلا في كلّ نائبة، ... تضع القطوب مواضع البشر
يرقى إلى أمد المكارم والعلى، ... لم تختزله موانع الكبر
لو لم يعارضه الحمام، إذا ... لمضى على غلوائه يجري
أودى، وما أودت مناقبه، ... ومن الرّجال معمّر الذّكر
طوت اللّيالي بعد مصرعه ... نار القرى ومعرّس السّفر
خلّي وترب أبي لقد سلبت ... منّي النّوائب أنفس الذّخر
قد كان من عددي إذا طرقت ... بزلاء ضاق بها حمى الصّدر (6)
وهو الزّمان على تقلّبه، ... ينوي العقوق بنيّة البرّ
كم زفرة خرساء أكظمها ... متمسّكا بعلائق الأجر
ضمرت بجرّتها عليك، وفي ... أحشائها كلواعج الجمر
لو أنّ ما أنحى عليك يد ... راعتك بالإنباض عن عقر (1)
لوقفت بينكما لأعكس سهمها ... عن نحرك البادي إلى نحري
ولو انّها سمراء مشرعة، ... أعطيت حدّ سنانها صدري
وسمحت دونك بالحياة على ... ضنّي بها، وكرائم الوفر
أو بالغا بالنّفس معذرة، ... والسّعي بين النّجح والعذر
لكن رمتك أشدّ رامية ... سهما، وأهداها إلى العقر (2)
بلغتك من خلف الدّروع ومن ... خلل القنا، والعسكر المجر
حمل الغمام جديد ريّقه، ... فسقى مغيّب ذلك القبر
لولا مشاركة المدامع في ... سقياه قلّ له ندى القطر
لو أنبتت ترب الرّجال على ... قدر العلى ونباهة القدر
نبتت عليه من شجاعته ... تلك الجنادل بالقنا السّمر
إنّ التّوقّي فرط معجزة، ... فدع القضاء يقدّ أو يفري
لو مال بالقرنين خوفهما ... للموت، ما اضطغنا على الوتر (3)
أو عدّدا ما في الخطال، إذا ... لتوادعا أبدا على غمر (4)
نحمي المطاعم للبقاء، وذي ... الآجال ملء فروجها تجري
لو كان حفظ النّفس ينفعنا ... كان الطّبيب أحقّ بالعمر
الموت داء لا دواء له، ... سيّان ما يوبي وما يمري















مصادر و المراجع :

١- ديوان الشريف الرضي

المؤلف: محمد بن الحسين بن موسى، أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني الموسوي.

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید