المنشورات

أبكيك

(الكامل)
في هذه القصيدة يرثي أبا القاسم عبد العزيز بن يوسف الحكار، وقد ورد الى مدينة السلام خبر وفاته في واسط، وذلك في يوم الأربعاء لعشر خلون من شهر شوال سنة 388. وكانت بينهما صداقة ومراسلة.
لو كان يرتدع القضاء بمردع ... أو ينثني بمدجّج ومقنّع
لغدت مشمّرة تقيك من الرّدى ... عصب تجرّ قنا الطعان وتدّعي
ومسدّدون أسنّة يزنيّة، ... فتلوا بأكعبها حبال الأذرع (1)
قوم ذيولهم الرّماح، إذا خطوا ... رفعوا بمسحبها غبار الأجرع
خيل توقّح بالنّجيع من الوجى، ... وقنا تثقّف بالطّلى والأضلع (2)
متعلّقين عنان كلّ مسوّم، ... يشأى عجاجته بوقع الأربع (3)
ذي غرّة سبغت عليه كأنّه ... فيها يمدّ لحاظه من برقع
قعد عن الغنم القريب المجتبى، ... سرع إلى الطّلب البعيد المنزع
يا ناشدا همل المساعي نافضا ... في إثرها لقم الطّريق المهيع (4)
هيهات لا مسعاة تنشد بعدها ... بظبى القواضب والقنا المتزعزع
إنّ ابن يوسف عرّيت أنقاضه ... وثوى بمنزلة المكلّ المظلع
متطامنا من بعد ما وضعت له ... أيّامه خدّ الذّليل الأضرع
ألقى بطاعته، ولمّا يمتنع، ... ومضى لطيّته، ولمّا يرجع (1)
قذيت له مقل السّماح وقد شكا، ... وهوت له قلل العلاء وقد نعي
أبنته تحت الصّفائح لو يرى، ... ودعوته خلف الجنادل لو يعي
ما لبث من يمسي مجازا للرّدى ... ومعرّج القدر المغذّ المسرع (2)
يغدو لأقدام الخطوب بمعثر، ... ويرى بمرأى للمنون ومسمع
ما للزّمان يلذّ طعم مصائبي، ... فكأنّه يظما ليشرب أدمعي
مغرى بنزع قوادمي مستعذبا ... لتألّمي من صرفه وتوجّعي
أرعى الذين جنوا له ورق الغنى ... دوني وأعلكني شكيمة مطمعي
ومضى بإخوان الصّفاء فلم يدع ... منهم أخا ثقة، ولا عضدا معي
أبكيك، يا عبد العزيز، بخطّة ... تعمي مطالعها وخطب مضلع
ومقاوم ما زلت تعجز ليلها ... بلسان قوّال وقلب سميذع (3)
إنّي أرى في المجد بعدك ثلمة ... تبقى وخرقا ما له من مرقع
من يشرق الخصم الألدّ بريقه ... عيّا ويقدع منه ما لم يقدع (4)
أم من يبلّغ بالبلاغة غاية، ... تلوي بحسرى طالبين وظلّع
أم من يردّ من المغيرة غربها، ... والخيل تنهض كالقطا بالدّرّع
بنوافذ للقول يبلغ وقعها ... ما ليس يبلغ بالرّماح الشّرّع
شهب تشعشع في النّوائب ضوءها، ... كالشّمس تنغض رأسها للمطلع (5)
حتّى يقول الغابطون، وقد رأوا ... فعلاته: زاحم بجدّ أودع
ويودّ من حمل الثّنا لو أصبحت ... تلك الأداة على الكميّ الأروع (6)
إن لا تكن في الجمع أمضى طعنة، ... فلأنت أمضى خطبة في المجمع
إنّ الفصاحة ذلّك لك عنقها، ... فأخذت منها بالعنان الأطوع
أمست ظهور المجد عندك ترتقي ... منها إلى قمع السّنام الأمنع (1)
كيد كمارقة النّصال ودونه ... بشر كبارقة النّصول اللّمّع
نهّاز أذنبة الكلام، إذا هفا ... قلب الجريّ وعيّ قول المصقع
قد قلت للمتعرّضين لسطوه: ... خلّوا وجار الأرقم المتطلّع
إيّاكم أن يستضيفكم الدّجى ... ومقيله ومقيلكم في موضع
لا تتبعوا شبه الأمور، فإنّه ... شبه يتيح الحقّ عند المقطع (2)
من كان ماء العين أصبح رزؤه ... مثل القذاة ملظّة بالمدمع
وإذا تغيطلت المطالع حيرة، ... صدع العماية بالقضاء المقنع (3)
بأبي من استودعته بطن الثّرى، ... وعلمت كيف خيانة المستودع
يا ليت شعري من أعد لدهره ... ماذا أعدّ لضيق هذا المضجع
لم يخل من ترمي الخطوب سواده ... من واقع أبدا ومن متوقّع
نجد الضّراعة والنّقيصة نزرة ... إنّ القلامة شكّة للإصبع (4)
إن أقض مفروض البكاء عليكم ... متحرّجا يجري الدّموع تبرّعي
فإلام تتبعكم لواعج زفرتي ... ونوازع من دمعي المتسرّع
هل تعلمون على بعاد دياركم ... أنّ الغليل عليكم لم ينقع
لا تعدموا منّي وإن بعد المدى ... نفس العميد وأنّة المتفجّع
ما شئت من دمع لكم متحدّر ... وزفير وجد بعدكم مترفّع
أمسى أخ لك لم يجارك في الصّبا ... طلقا ولا ساقاك درّ المرضع
في صدره أرة عليك من الجوى ... تذكى بأنفاس المعنّى الموجع (1)
رزء تخضخض سهمه في مقتلي، ... يمضي الزّمان ونصله لم ينزع
نضح الثّرى ذو أنت فيه مجلجل، ... يستخلف الأكلاء بعد المقلع (2)
هزج الرّعود له بكلّ ثنيّة ... زجل كشقشقة الفنيق الموضع (3)
لئق المناخ ثقيلة أوراكه، ... حضر المجرّ مروّض بالبلقع
حتّى ترى نزع الرّبى من نوره ... غمما يرفّ على خصيب ممرع (4)
ومتى يكن فيه سقاك نقيصة ... أبد الزّمان تممتها بالأدمع (5)
نثني عليك ثناء راعي هجمة ... بعد الجدوب على الغمام المقلع
ونقول فيك، ولو سكتنا قا ... لت الأيّام أكثر ما نقول وندّعي
ولقد تجافى المجد عن ثفناته، ... قلقا عليك، فما يقرّ بمربع (6)
نقصت أداة الفضل بعدك كلّها، ... فوعى بمصطلم وشمّ بأجدع
فاذهب رعاك الله غير مضيّع، ... وسقى ثراك المزن غير مروّع
فالقلب للشّانين إن لم يكتئب، ... والجفن للأعداء إن لم يدمع (7)












مصادر و المراجع :

١- ديوان الشريف الرضي

المؤلف: محمد بن الحسين بن موسى، أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني الموسوي.

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید