المنشورات

غالط العيش

(البسيط)
قف موقف الشّكّ لا يأس ولا طمع، ... وغالط العيش لا صبر ولا جزع
وخادع القلب لا يود الغليل به، ... إن كان قلب على الماضين ينخدع
وكاذب النّفس يمتدّ الرّجاء لها ... إنّ الرّجاء بصدق النّفس ينقطع
سائل بصحبي أنّى وجهة سلكوا ... عنّا، وأيّ الثّنايا بعدنا طلعوا
حدا بأظعانهم حتّى استمرّ بها ... حادي المقادير لا يلوي بهم ظلع
غابوا فغاب عن الدّنيا وساكنها ... مرأى أنيق عن الدّنيا ومستمع
بني أبي قد نكى فيكم بشكّته، ... ونال ما شاء هذا الأزلم الجذع (4)
كنتم نجوما لذي الدّهماء زاهرة ... تضيء منها اللّيالي السّود والدّرع (1)
إن تخب أنواركم من بعد ما صدعت ... ثوب الدّجى فلضوء الشمس منقطع
في غرّة المجد مذ غيّبتم كلف ... على الزّمان، وفي خدّ العلى ضرع (2)
وبالمواضي حران في الوغى، وبأع ... ناق الضّوامر مذ أرحلتم خضع
مصاعب ذعذعت أيدي المنون بها، ... فطاع معتصم وانقاد ممتنع
لم يعدموا يوم حرب تحت قسطلها ... طير الرّخام على لبّاتهم تقع (3)
لم ينزعوا البيض مذ لاثوا عمائمهم ... إلّا وقد غاض منها الشّيب والنّزع (4)
نسابق الموت تطويحا بأنفسنا، ... حتّى كأنّا على الآجال نقترع
أبكيهم، ويد الأيّام دائبة، ... تدوف لي فضلة الكأس التي جرّعوا
لا أمتري أنّني مجر إلى أمد ... جروا إليه قبيل اليوم أو نزعوا
وأنني وارد العدّ الذي وردوا ... بالكره أو قارع الباب الذي قرعوا (5)
سدّت فواغر أفواه القبور بهم، ... وليس للأرض لا ريّ ولا شبع
أعتادهم لا أرجّي أن يعود لهم ... إليّ ماض، ولا لي فيهم طمع
فما توهّج أحشاي على نفر ... كانوا عوادي للأيّام، فارتجعوا
نليح أن ترتعي الأقدار أنفسنا، ... وكلّنا للمنايا السّود مزدرع
نلهو، وما نحن إلّا للرّدى أكل ... والدّهر يمضغنا، والأرض تبتلع
ذوائب من لباب المجد ما فجعوا ... بمثل أنفسهم يوما، ولا فجعوا
كانوا حوامي جبال العزّ فانقرضوا، ... وصدّعوا قلل العليا مذ انصدعوا
فوارس قوّضوا عن سابقاتهم، ... فاستنزلوا بطعان الدّهر واقتلعوا
قوم فكاهتهم ضرب الطّلى، ولهم ... تحت العجاج بأطراف القنا ولع (1)
إمّا تؤود من الأيّام نائبة ... قاموا بها وأطاقوا الحمل واضطلعوا
لا تستلينهم الضّرّاء نازلة، ... ولا تقودهم الأطماع والنّجع
كم خمصة كان فيها العزّ آونة، ... وشبعة كان فيها العار والضّرع (2)
من كلّ أغلب نظّار على شوس ... له لواء على العلياء متّبع
يخفى به التّاج من لألاء غرّته، ... على جبين بضوء المجد يلتمع
ذو عزمة تلهم الدّنيا وساكنها، ... وهمّة تسع الدّنيا، وما تسع
يلقى الظّبى حاسرا تبدو مقاتله، ... ويرهب الذّمّ يوما، وهو مدّرع
إنّ المصائب تنسي المرء مقبلة ... قصد الطّريق لما يسلي وما يزع (3)
حتّى إذا انكشفت عنه غياطلها ... تبيّن المرء ما يأتي وما يدع
أرسى النّسيم بواديكم ولا برحت ... حوامل المزن في أجداثكم تضع (4)
ولا يزال جنين النّبت ترضعه ... على قبوركم العرّاصة الهمع (5)
هل تعلمون على نأي الدّيار بكم ... أنّ الضّمير إليكم شيّق ولع؟
لكم على الدّهر من أكبادنا شعل ... من الغليل، ومن آماقنا دفع
لواعج أفصحت عنها الدّموع وقد ... كادت تجمجمها الأحشاء والضّلع
أنزفت دمعي حتّى ما تركت له ... غربا يفيض على رزء، إذا يقع (6)
ثمّ اضطررت إلى صبري فعذت به، ... وأعرب الصّبر لمّا أعجم الجزع











مصادر و المراجع :

١- ديوان الشريف الرضي

المؤلف: محمد بن الحسين بن موسى، أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني الموسوي.

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید