المنشورات

غنى نفسي

(البسيط)
حبّ العلى شغل قلب ما له شغل، ... وآفة الصّبّ فيه اللّوم والعذل
قالت ضنيت، فقلت الشّوق يجمعنا، ... ويعرق الوجد ما لا تعرق العلل
وإن تحوّن جسمي ما علمت به، ... فالرّمح ينآد طورا ثمّ يعتدل (1)
كيف التّخلّص من عين لها علق ... بالظّاعنين ومن قلب به خبل (2)
ومن لوجدي أن يقتادني طمع ... إلى الحبيب، وأن يعتاقني طلل
لا تبعدنّ مطايانا التي حملت ... تلك الظّعائن مرخاة لها الجدل
سير الدّموع على آثارها عنق، ... وسيرها الوخد والتّبغيل والرّمل (3)
دون القباب عفاف في جلاببها، ... والصّون يحفظ ما لا تحفظ الكلل (4)
فلا الحدوج يرى وجه المقيم بها، ... ولا تحسّ بصوت الظّاعن الإبل (5)
وفي البراقع غزلان مربّبة، ... يرميننا بعيون نبلها الكحل
إذا الحسان حملن الحلي أسلحة، ... فإنّما حليها الأجياد والمقل
ألا وصال سوى طيف يؤرّقني، ... ولا رسائل إلّا البيض والأسل
وعادة الشّوق عندي غير غافلة، ... قلب مروع ودمع واكف هطل
وأفجع النّاس من ولّى حبائبه، ... ولا عناق، ولا ضمّ، ولا قبل
لا ناصر غير دمعي، إن هم ظلموا، ... والدّمع عون لمن ضاقت به الحيل
والعذل أثقل محمول على أذن، ... وهو الخفيف على العذّال إن عذلوا
من لي ببارق وعد خلفه مطر، ... وكيف لي بعتاب بعده خجل
النّفس أدنى عدوّ أنت حاذره، ... والقلب أعظم ما يبلى به الرّجل
والحبّ ما خلصت منه لذاذته، ... لا ما تكدّره الأوجاع والعلل
قد عوّد النّوم عيني أن تفارقه، ... وهوّن السّير عندي الأينق الذّلل
فما تشبّث بي دار، ولا بلد، ... أنا الحسام، وما تحظى به الخلل (6)
اللّيل أحمل ظهر أنت راكبه، ... إنّ الصّباح لطرف والدّجى جمل (1)
ولّى الشّباب وهذا الشّيب يطرده، ... يفدي الطّريدة ذاك الطّارد العجل
ما نازل الشّيب في رأسي بمرتحل ... عنّي، وأعلم أنّي عنه مرتحل
من لم يعظه بياض الشّعر أّدركه ... في غرّة حتفه المقدور والأجل
من أخطأته سهام الموت قيّده ... طول السّنين، فلا لهو ولا جذل
وضاق من نفسه ما كان متّسعا، ... حتّى الرّجاء، وحتّى العزم والأمل
ما عفّتي في الهوى يوما بمانعتي ... أن لا تعفّ بكفّيّ القنا الذّبل
وللرّجال أحاديث، فأحسنها ... ما نمّق الجود لا ما نمّق البخل
ولا اقتحامي على الغارات يعصمني ... من المنون، ولا ريث، ولا عجل
وميتتي في النّوى والقرب واحدة، ... إذا تكافأت الغايات والسّبل
يستشعر الطّرف زهوا يوم أركبه، ... كأنّه بنجوم اللّيل منتعل
والخيل عالمة ما فوق أظهرها ... من الرّجال جبان كان أو بطل (2)
أغرّ أدهم صبغ اللّيل صبغته، ... تضلّ في خلقه الألحاظ والمقل
مناقل في عنان الرّيح جريته، ... كأنّه قبس أو بارق عمل (3)
قصير ما بين أولاه وآخره، ... كأنّما العنق معقود بها الكفل
إذا الرّبيع كسا البيداء بردته، ... ضافت ركابي وهاد الأرض والقلل
والواردات مياه القاع سانحة ... على جوانبها الحوذان والنّفل (4)
وكالثّغور أقاحيها، إذا غربت ... شمس النّهار، وألقت صبغها الأصل
ورد ومرعى، إذا شاءت مشافرها، ... مستجمعان، ولا كدّ ولا عمل
وغافلين عن العلياء قائدهم ... في كلّ غيّ فتيّ العقل مكتهل
شنّوا الخضاب حذارا أن يطالبهم ... بحلمه الشّيب، أو يقصيهم الغزل
عارين ألّا من الفحشاء يسترهم ... ثوب الخمول وتنبو عنهم الحلل
قوم بأسماعهم عن منطقي صمم، ... وفي لواحظهم عن منظري قبل (1)
يبدّدون، إذا أقبلت، لحظهم، ... شرب المروّع لا علّ، ولا نهل
يبدون ودّي ويحموني ثراءهم، ... لو كان حقّا تساوت بيننا الدّول
كفى حسودي كبتا أنّه رجل ... أغرى به الهمّ مذ أغرى بي الجدل
ما بال شعري ملوما لا يجانبه ... عن كلّ ما يقتضيه القول والعمل
لا حاجة بي إلى مال يعبّدني ... له الرّجاء، ويضنيني به الشّغل
حسبي غنى نفسي الباقي، وكلّ غنى ... من المغانم والأموال ينتقل
تغيّر النّاس في سمع وفي نظر، ... واستحسن الغدر حتى استقبح الخلل (2)
فما طلابك إنسانا تصاحبه، ... كلّ الأنام، كما لا تشتهي، همل
يستبشرون، إذا صحّت جسومهم، ... وبالعقول، إذا فتّشتها، علل
ما هيّجتني العدا، إلّا وكنت لها ... سماء كلّ جواد أرضه القلل
يمشي الحسام بكفّي في رؤوسهم، ... ويخرق الرّمح ما تعيا به الفتل (3)
قومي هم النّاس لا جيل سواسية، ... الجود عندهم عار، إذا سئلوا
أبي الوصيّ وأمّي خير والدة، ... بنت الرّسول الذي ما بعده رسل
وأين قوم كقومي إن سألتهم ... سوابق الخيل في يوم الوغى نزلوا
كالصّخر إن حلموا والنّار إن غضبوا، ... والأسد إن ركبوا والوبل إن بذلوا
الطّاعنين من الجبّار مقتله، ... والضّاربين، وذيل النّقع منسدل
والرّاكبين المطايا، والجياد معا، ... لا الشّكل تحبسها يوما ولا العقل
تغضي عيون الأعادي عن رماحهم، ... وللأسنّة فيهم أعين نجل
ليس المعاد إلى الدّنيا بمتّفق، ... ولا رجوع لمن يمضي به الأجل
والله أكرم مولى أنت آمله، ... يوما، وأعظم من يعطي ومن يسل
عفو، وحلم، ونعماء، ومقدرة، ... ومستجيب، ومعطاء، ومحتمل
وكيف نأمل أن تبقى الحياة لنا، ... وغير راجعة أيّامنا الأول













مصادر و المراجع :

١- ديوان الشريف الرضي

المؤلف: محمد بن الحسين بن موسى، أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني الموسوي.

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید