المنشورات

سقى الله

(الطويل)
قليل من الخلّان من لا تذمّه، ... وكثر من الأعداء من أنت همّه
وغير بعيد منك ناء تزوره ... وغير قريب قاطن لا تؤمّه
مصافيك في الأيّام أنفك أنفه، ... إذا جلّ ما تلقى، ورغمك رغمه
ألا ليت بين الحيّ لم يقض يومه، ... وليت ظليع الذّود لم يبر سقمه (2)
وليت أديم الأرض يعرى كما اكتسى ... من النّاس أو يعفو كما بان رسمه
فماذا الورى ممّن يراد بقاؤه، ... ولا الموت معذول إذا جار حكمه
تباشر عيني فيهم ما يسوءها، ... ويلقى جناني منهم ما يغمّه
سقى الله قلبا بين جنبيّ ريّه، ... وما نافع قلبي من الماء جمّه
ولكنّ مشتاقا، إذا بلغ المنى ... تقضّى أوام القلب أو زال وغمه (3)
أما علم الغادون والقلب خلفهم، ... يضمّ زفيرا يصدع الصّلد ضمّه
بأنّ وميض البرق ما لا أشيمه ... وأنّ نسيم الرّوض ما لا أشمّه
وربّ وميض نبّه الشّوق ومضه ... وربّ نسيم جدّد الوجد نسمه
أضعت الهوى حفظا لحزمي، وإنّما ... يصان الهوى في قلب من ضاع حزمه
وطيف حبيب راع نومي خياله، ... وعرّفني طول اللّيالي ملمّه (1)
وما زارني إلّا ليخجل طيبه ... نسيم الصّبا أو يفضح اللّيل ظلمه (2)
تطلّع من أرجاء عيني دمعها، ... وما كاد لولا الوجد ينقاد سجمه (3)
ألا هل لحبّ فات أولاه رجعة، ... وإن زاد عندي أو تضاعف اسمه
ليالي أسري في أصيحاب لذّة ... ومخّ الدّجى رار، وقد دقّ عظمه (4)
وأغدو على ريعان خيل تلفّها ... صدور القنا والنّقع عال أحمّه (5)
رأيت الفتى يهوى الثّراء، وعمره ... يرى كلّ يوم زائدا منه عدمه
عقيب شباب المرء شيب يخصّه، ... إذا طال عمر أو فناء يعمّه
طليعة شيب بعدها فيلق الرّدى، ... برأسي له نقع، وبالقلب كلمه
أغالط عن نفسي حمامي، وإنّما ... أداري عدوّا مارقا فيّ سهمه (6)
وليس يقوم المرء يوما بحجّة، ... إذا حضر المقدار، والموت خصمه
وأولى بمن يستخلف الدّهر بعده ... على صرمه أن يودع الأرض صرمه (7)
فوا عجبا للمرء، والداء خلفه، ... ومن حوله الأقدار والموت أمّه (8)
يسرّ بماضي يومه، وهو حتفه، ... ويلتذّ ما يغذى به، وهو سمّه
ورود من الآجال لا يستجمّنا، ... وورد من الآمال لا نستجمّه (9)
إلى كم أذود السّيف عن هام عصبة، ... أما فيهم من يطعم السّيف لحمه
وعندي عال من دم الجوف شربه، ... وماضي الظّبى من أسود القلب طعمه (1)
أقول لغرّ بي: لففت بضيغم ... يؤدّ الأعادي خطفه ثمّ حطمه (2)
فدع هضبة منّا بنى الله سمكها، ... فإنّ بناء الله يعييك هدمه
ومن عجب الأيّام أنّي محسّد، ... أعادى على ما يوجب الودّ حكمه
وليس الفتى من يعجب النّاس ماله، ... ولكنّه من يعجب النّاس علمه
تشفّ خلال المرء لي قبل نطقه، ... وقبل سؤالي عنه في القوم ما اسمه
أساء جوار الذّلّ منّي ابن همّة ... إذا همّ واطى بين رأييه همّه (3)
ولو غير قلبي ضمّ ذا العزم شقّه، ... ولكنّه لا يقتل الصّلّ سمّه
وأبلج لا يرضى عن العجز رأيه، ... تمدّ على أضوى من البدر لثمه (4)
إذا خلع اللّيل النّهار سمت به ... مآرب مضّاء على ما يهمّه
وكم في نزار من نهيض نجيبة، ... إذا سلّ عضبا سابق الضّرب عزمه
أنيس بلقيان الحروب كأنّما ... تمطّت به في ناشر النّقع أمّه (5)
إذا ضرع الأقوام من سوء نكبة ... جلاها قويم الأنف فيها أشمّه (6)
رفيع بيوت المجد كالجدّ جدّه، ... فخارا، وفي العلياء كالخال عمّه
مهيب وقار الجانبين أبيّه، ... ومخول مجد الوالدين معمّه
فمن خائف عند اللّيالي نجيره، ... ومن شعث بين المعالي نلمّه (7)
وإنّي لدفّاع بي العزم والمنى، ... إلى كلّ ليل يعقد الطّرف نجمه
وما تستدلّ النّجم عيناي في الدّجى ... ضلالا، ولكن مثل عينيّ جرمه
شددنا بأيدي العيس كلّ ثنيّة، ... ومن دونها جون القرا مدلهمّه (1)
ومنخرق لا يقطع الطّرف عرضه، ... ولا ينزوي عن أعين الرّكب خرمه (2)
توهّمت عصف الرّيح بين فروجه ... يسرّ إلى سمعي مقالا يصمّه
وجيش يسامي كلّ طود عجاجه، ... ويفترّ عنه كلّ واد يضمّه
تخطّف أبصار الأعادي سيوفه، ... وتملأ أسماع القبائل لجمه
إذا سار صبحا طارد الشّمس نقعه، ... وإن سار ليلا طبّق الأرض دهمه (3)
تراجع حمرا من دم الضّرب بيضه، ... وتنجاب شقرا من دم الطّعن دهمه (4)
صدمنا به الجبّار في أمّ رأسه، ... وكان شفاء الرّأس ذي الدّاء صدمه
وما ضاقت الأقطار من دون فوته ... ظبانا، ولكن أوبق العبد ظلمه (5)
عذيري ممّن ذمّ عهدي، وقد نبا ... مرارا، وقلبي وادع لا يذمّه
تجرّم لمّا لم يجد لي زلّة، ... وأقصدني باللّوم، والجرم جرمه
تعمّدت بعدي عنه من غير سلوة، ... ليعلمني يوم النّوى كيف طعمه
وأجممته لا عن غناء، وإنّما ... لأشربه في حرّ خطب أجمّه (6)
وإنّي، وإن والى على القلب حربه، ... لمنتظر أن يعقب الحرب سلمه
ولا تيأسن من عفو حرّ، فإنّما ... تحلّمه باق، إذا ضاع حلمه
أأطمع أن أنساك يوما، وإنّما ... هواك ضجيع القلب منّي وحلمه
يقرّ بعيني منظر أنت قيده، ... ويعتاق قلبي مطلب أنت غنمه
وأنت الفتى لا عاجز عن فضيلة، ... وغير قليل من معاليه قسمه (7)
تجاوز بعمد واعف، فالعتب إن يدم ... على الخلّ يفسد ظنّ قلب ووهمه
أرى آخر الخلّان ودّا يسوءني، ... ويمدح عندي أوّلا طال ذمّه
على أنّني راض بما جرّ هجره، ... وهل أنا إلّا القلب يلتاث جسمه (1)















مصادر و المراجع :

١- ديوان الشريف الرضي

المؤلف: محمد بن الحسين بن موسى، أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني الموسوي.

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید