المنشورات

أراعي الشيب

(الطويل)
يمدح الشريف هنا الخليفة الطائع لله ويعاتبه على تأخيره في استدعائه وذلك في سنة 377.
أراعي بلوغ الشّيب، والشّيب دائيا، ... وأفني اللّيالي، واللّيالي فنائيا
وما أدّعي أنّي بريء من الهوى، ... ولكنّني لا يعلم القوم ما بيا
تلوّن رأسي، والرّجاء بحاله، ... وفي كلّ حال لا تغبّ الأمانيا (1)
خليليّ! هل تثنى من الوجد عبرة، ... وهل ترجع الأيّام ما كان ماضيا
إذا شئت أن تسلى الحبيب فخلّه ... وراءك أيّاما، وجرّ اللّياليا
أعفّ وفي قلبي من الحبّ لوعة، ... وليس عفيفا تارك الحبّ، ساليا
إذا عطفتني للحبيب عواطف، ... أبيت، وفات الذّلّ من كان آبيا
وغيري يستنشي الرّياح صبابة، ... وينشي على طول الغرام القوافيا (2)
وألقى من الأحباب ما لو لقيته ... من النّاس سلّطت الظّبى والعواليا (3)
فلا تحسبوا أنّي رضيت بذلّة، ... ولكنّ حبّا غادر القلب راضيا
رعى الله من ودّعته يوم دابق، ... وولّيت أنهى الدّمع ما كان جاريا (4)
وأكتم أنفاسي، إذا ما ذكرته، ... وما كلّ ما تخفيه، يا قلب، خافيا
فعندي زفير ما ترقّى من الحشى ... وعندي دموع ما طلعن المآقيا
مضى ما مضى ممّن كرهت فراقه، ... وقد قلّ عندي الدّمع إن كنت باكيا
ولا خير في الدّنيا إذا كنت حاضرا، ... وكان الذي يغرى به القلب نائيا (5)
إذا اللّيل واراني خفيت عن الكرى، ... وأيدي المطايا جنح ليلي إزائيا
وما طال ليلي، غير أنّ علاقة ... بقلبي تستقري بعيني الدّراريا
ألا ليت شعري هل أرى غير موجع ... وهل ألقين قلبا من الوجد خاليا
بأيّ جنان قارح أطلب العلى، ... وأطمع سيفي أن يبيد الأعاديا
إذا كنت أعطي النّفس في الحبّ حكمها ... وأودع قلبي والفؤاد الغوانيا
ولم أدن من ودّ وقد غاض ودّه، ... ولكنّني داويته ببعاديا
تعمّدني بالضّيم حتّى شكوته، ... ومن يشك لا يعدم من النّاس شاكيا
وإنّي، إذا أبدى العدوّ سفاهة، ... حبست عن العوراء فضل لسانيا
وكنت إذا التاث الصّديق قطعته، ... وإن كان يوما رائحا كنت غاديا (1)
سجيّة مضّاء على ما يريده، ... مقضّ على الأيّام ما كان قاضيا
أرى الماء أحلى من رضاب أذوقه، ... وأحسن من بيض الثّغور الأقاحيا
وأطيب من داري بلادا أجوبها، ... إلى العزّ جوبي بالبنان ردائيا
وربّ منى سدّدت فيه مطالبي، ... وأيّ سهام لو بلغن المراميا
وهمّ سقيت القلب منه، وحاجة ... ركبت إليها غارب اللّيل عاريا (2)
وعارية الأيّام عندي نسيئة، ... أسأت لها قبل الأوان التّقاضيا (3)
أرى الدّهر غصّابا لما ليس حقّه، ... فلا عجب أن يستردّ العواريا
وما شبت من طول السّنين، وإنّما ... غبار حروب الدّهر غطّى سواديا
وما انحطّ أولى الشّعر حتى نعيته، ... فبيّض همّ القلب باقي عذاريا
أرى الموت داء لا يبلّ عليله، ... وما اعتلّ من لاقى من الدّهر شافيا (4)
فما لي وقرنا لا يغالب كلّما ... منعت أمامي جاءني من ورائيا (5)
يحرّكني من مات لي بسكونه، ... وتجديد دهري أن أرى الدّهر باكيا
وأبعد شيء منك ما فات عصره، ... وأقرب شيء منك ما كان جائيا
ولست بخزّان لمال وإنّما ... تراث العلى والفضل والمجد ماليا
وإتلاف مالي عن حياتي ألذّ لي، ... ولا خير أن يبقى، وأصبح فانيا
وإنّي لألقى راحتي في تقنّعي، ... وفي طلب الإثراء طول عنائيا (1)
وإنّي إن ألقى صديقا موافقا، ... وذلك شيء عازب عن رجائيا (2)
وإنّ غريب القوم من عاش فيهم ... وليس يرى إلّا عدوّا مداجيا (3)
وأكثر من تلقاه كالسّيف مرهفا ... عليك وإن جرّبته كان نابيا
وما أنا إلّا غمد قلبي، فإن مضى ... مضيت، وما لي منّة في مضائيا
وما حملتني العيس إلّا مشمّرا ... لأخرق ليلا، أو لأقطع واديا
طوارح أيد في اللّيالي كأنّها ... تجاري إلى الصّبح النّجوم الجواريا
إذا ما رحلناها من الصّيف ليلة، ... فلا حلّ حتّى ينظر النّجم رائيا
طواهنّ طيّ السّير في كلّ مهمه، ... ورحن خماصا قد طوين المواميا (4)
مررن بميّاس الثّمام وحزنه ... خفافا كأطراف العوالي نواجيا (5)
وكم جاوزت من رملة ثمّ عاقر، ... وأخرى يضفّ الرّوض فيها الغواديا (6)
ومن نفر لا يعرف الضّيف كلبهم، ... ويسغب حتّى يقطع اللّيل عاويا (7)
تهاب النّدى أيديهم، فكأنّما ... تلاطم من بذل النّوال الأثافيا (8)
وأعلى الورى من وافق الرّمح باعه، ... وكان له في كبّة الخيل ساقيا (1)
وأشرفهم من يطلق الكفّ بالنّدى ... سخيّا، ببذل المال، أو متساخيا
وإنّ أمير المؤمنين لحابس ... ركابي أن أرمي بها ما أماميا
معيني على الأيّام إن غالبت يدي، ... وإن كنت معدوّا عليّ وعاديا
إذا شئت عنه رحلة حطّ جوده ... حقائب أذوادي وردّ المثانيا (2)
ولولاه ما انصانت لوجهي طلاوة، ... ولا كنت إلّا شاحب اللّون طاويا
جريئا أروع الوحش في كلّ ظلمة، ... وأخلط بالنّقع المثار الدّياجيا
هو السّيف إن أغمدته كان حازما ... وقورا، وإن جرّدته كان عاديا
له كلّ يوم معرك إن شهدته ... ترى قضبا عونا وهاما عذاريا (3)
يضمّ عليها جانب النّقع بالقنا، ... يبادرن قدّام السّيوف التّراقيا (4)
ويرسل في الأقران كلّ خفيّة، ... تخال بها طيرا من الرّيح هافيا (5)
ويثني جوادا من دم الطّعن ناعلا، ... ويزجي نجيبا من وجى السّير حافيا (6)
تسافه في الغارات أشداق خيلها ... على اللّجم حتّى تكرع الماء داميا
عظيم على غيظ الرّجال محسّد، ... غلوب، إذا ما جاذبوه المعاليا
تغاديه إلّا في حرام مغامرا ... وتلقاه إلّا عن نوال محاميا
وما قصبات السّبق إلّا لماجد ... سعى فاحتوى دون الرّجال المساعيا
أيا علم الإسلام والمجد والعلى، ... رضيناك مهديّا لدين وهاديا
وما حملتك الخيل إلّا رددتها ... عن الرّوع حمرا بالدّماء قوانيا (1)
وشعث النّواصي يتّخذن دم الطّلى ... دهانا وأطراف العوالي مداريا (2)
وغيرك يقتاد الجياد لغارة، ... ويرجعها ملس الجلود كما هيا
وما الخيل إلّا أن تكون سوابقا ... وما الأسد إلّا أن تكون ضواريا
وتترك صبح الجهل يغبرّ ضوءه، ... ونقعك أخّاذ عليه الضّواحيا
بيوم طراد يصطلي القوم تحته ... بنار الحنايا والقنا والمواضيا (3)
وجرد يناقلن الرّماح عوابسا، ... ويرمين بالعدو القطا والحواميا
خوارج من ذيل الغبار كأنّها ... أنامل مقرور دنا النّار صاليا
بكلّ سنان لا يرى الدّرع جنّة، ... وكلّ حسام لا يرى البيض واقيا (4)
ولا سلم حتّى الجيش أفنيت جلّه ... ردى ورددت القافلين نواعيا
وما كلّ من أومى إلى العزّ ناله، ... ودون العلى ضرب يدمّي النّواصيا
إلى كم أمنّي النّفس يوما وليلة، ... وتعلمني الأيّام أن لا تلاقيا
وكم أنا موقوف على كلّ زفرة، ... عليل جوى، لو أنّ ناسا دوائيا
أيسنح لي روضا وأصبح عازبا، ... ويعرض لي ماء وأصبح صاديا
وما أنا إلّا أن أراك بقانع، ... وإن كنت جرّارا إليّ الأعاديا
تركت إليك النّاس طرّا وكلّهم ... يتوق إلى قربي ويهوى مقاميا
وفارقت أقواما كراما أكفّهم، ... وما ضقت عنهم في البلاد ملاقيا
ويمنعني من عادة الشّعر أنّني ... رأيت لباس الذّلّ بالمال غاليا
إذا لم أجد بدّا من السّيف شمته، ... وفقد ذلول أركب الصّعب ماشيا (1)
فإن كنت لا أعلو على عود منبر، ... فلست ألاقي غير مجدي عاليا
عليك سلام الله إنّي لنازع ... إليك، وإن لم أعط منك مراديا
ودمت دوام الشّمس والبدر في الدّنا، ... تجدّد أيّاما وتنضو لياليا (2)












مصادر و المراجع :

١- ديوان الشريف الرضي

المؤلف: محمد بن الحسين بن موسى، أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني الموسوي.

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید