المنشورات

يا قوم هبوا

زار شاعرنا مدينة قسنطينة، منبع الحركات العلمية والوطنية، فأقام له تلامذته حفلا عبروا به عن تقديرهم لأستاذهم، وألقى فيه هذه القصيدة الوطنية. وفيها كعادته نصائح عالية، وإرشادات حكيمة، ووصف لمدينة قسنطينة، وتشريح للداء والدواء.
نشرت في جريدة المنار سنة 1950.
•---------------------------------•
حثوا العزائم واصدقوا الامالا …*… إن الزمان يسجل الأعمالا
يحصي ويكتب في صحائف سفره …*… أعمالنا ويذيعها أقوالا
وشهادة التاريخ أوثق حجة …*… تجلو الأمور وتكشف الأحوالا
فتدارسوا التاريخ والتمسوا به …*… للنشء رمزا عاليا ومثالا
إن الزمان بكم أهاب مؤذنا …*… في فجر نهضتكم ففاق بلالا
يا قوم هبوا لاغتنام حياتكم …*… فالعمر ساعات مر عجالا
الأسر طال بكم فطال عناؤكم …*… فكوا القيود وحطموا الأغلالا
والشعب ضج من المظالم فانشدوا …*… حرية تحميه واستقلالا
لا أمن الا في ظلال مرفرف …*… حر لنا عال ينير هلالا
من فوق جند بالعتيد من القوى …*… يلقى العدو ويصمد استبسالا
واذا أراد الشعب نال مراده …*… ولو انه كالنجم عز منالا
الله في عون الشعوب فمن يرم …*… تعويقها بالقمع رام محالا
هل للقسنطيني من تاريخه …*… قبس به يستكشف الأجيالا
ويرى به نسج الأوائل قبله …*… في الصالحات فيتبع المنوالا
من كان رئبالا أبوه وجده …*… وحماه غيلا فليكن رئبالا
فاختر (بسرتا) حيث سرت بقطرنا …*… واضر بفطنة أهلها الأمثالا
واذكر أوائلها بني فينيقيا …*… واذكر بها الرومان والوندال
واذكر بها أتراكها لان اعتدوا …*… حالا فقد حرسوا الرعية حالا
واذكر من البايات (أحمد) (2) إنه …*… ذاد العدى عنها وصال وجالا
واذكر من البايات فيها (صالحا) (3) …*… فقد اعتنى وبنى بها فأطالا
واذكر بدخلتها (ابن عيسى) (4) ثائرا …*… يلقى المغير ويستميت قتالا
واذكر بها العباد في خلواتهم …*… واذكر بها العلماء والأبطال
ماض من الأعصار ناء زاخر …*… بالحادثات ذكرته إجمالا
نبني عليه كما نشاهد حاضرا …*… يبني عليه شبابنا استقبالا
حلقات أعصار يماسك بعضها …*… بعضا على أجيالنا تتوالى
سبحان من جعل الملوك خلائفا …*… والملك إرثا بينهم وسجالا
واختص بالملك المخلد وحده …*… أبدا فلا يخشى عليه زوالا
قم حي أخت (الآستانة) نشأة …*… وحضارة ونضارة وجمالا
سرح بساحة "باب واديها" الخطا …*… وانظر يمينا دورها وشمالا
واسأل معالمها الصوامت واستمع …*… فمن المعالم ما يجيب سؤالا
ومن المعالم ما يفوه بحاله …*… ما لا يفوه به الفصاح مقالا
فترى القصور الشامخات أعاليا …*… وترى الجنان الوارفات ظلالا
وترى المتاجر والمصانع والورى …*… تسعى بها وتواصل الأشغالا
وترى المعاهد فتحت أبوابها …*… وترى الشباب يؤمها اقبالا
سارت إلى (سرتا) الركائب تبتغي …*… ريا بها فتفجرت سلسالا
آوت اليها الطالبين فأصبحت …*… مثل اللبوءة تحضن الأشبالا
قد أكسبت قطر الجزائر كله …*… فخرا ففاق بها وتاه دلالا
هي فيه عاصمة العلوم وإن تقل …*… هو شاعر في وصفها يتغالى
مهما حللت بها ذكرت إمامها …*… (عبد الحميد) وخلقه المفضالا
وذكرت من إصلاحه وكفاحه …*… ذكرى مشوقة تهيج البالا
ورأيت فيها نهضة علمية …*… من غرس همته تطيب غلالا
وشممت فيها نفحة عطرية …*… تدع الخواطر بالعبير ثمالى
لطف الهواء بها فمهما تنتشق …*… لم تنتشق إلا صبا وشمالا
وفشا الجمال بها فمهما تلتفت …*… لم تلق الا جؤذرا وغزالا
الأرض فيها كالسماء بدت لنا …*… وقد اكتست من ليلها سربالا
والكهرباء تراقصت أنوارها …*… فكأنما هي أنجم تتلالا
تيهي بحسنك يا قسنطي وافخرى …*… وعلى العواصم فاسحبي الأذيالا
بلد الهواء دعوك أم بلد الهوى …*… إني أراك لذا وذاك مجالا
قد ضمك الطود الأشم لصدره …*… وتعطف الوادي عليك ومالا
وجرى بجنبك ماؤه فكأنه …*… عاف يريد بجنبك استظلالا
وازدان سفحك واستطال كأنما …*… هو ذيل طاووس مشى مختالا
وعلت جسورك في الهواء فأوثقت …*… ما بين كلتا عدوتيك وصالا
ولرب جسر أحكمته بناته …*… وافتن فيه مهندسوه فهالا
شقوا له الصخر الأصم وأوثقوا …*… في الجانبين من الحديد حبالا
فهواؤه كالبحر وهو بعرضه …*… كسفينة أرست عليه رحالا
لم أدر حين رأيته متنائيا …*… أيقل ناسا أم يقل نمالا؟
يا جيرة الوادي الرهيب مناظرا …*… والعذب ماء والرطيب رمالا
وسلالة الطود الرفيع شناخبا …*… والضخم صخرا والمنيع دغالا
اني حللت رحابكم لا أرتجى …*… إلا مودتكم قرى ونوالا
ومعي بنو قلبي الذين أعدهم …*… كي ينهضوا بالواجبات رجالا
طمحوا إلى التمثيل وهو أريكة …*… للفن تسمو روعة وجلالا
إن الممثل للحقائق كاشف …*… خيرا وشرا أو هدى وضلالا
إن الممثل واعظ ومعلم …*… يهدي الغزاة ويرشد الجهالا
إن الممثل قائد ببيانه …*… يغزو الحصون ويفتح الأقفالا
وقصيدة قد قلتها كي يهدي …*… بعظاتها ما قلتها ليقالا
قدمتها هبة لكم وكأنني …*… قد صغتها من طودكم تمثالا
فتقبلوها بالرضى وارجوا لها …*… أن تستحق رضى الإلاه تعالى
فهو الموفق للمراشد مبدأ …*… وهو الموفق للأجور مالا










مصادر و المراجع :

١- ديوان محمد العيد آل خليفة

المؤلف: محمد العيد بن محمد علي خليفة (المتوفى: 1399هـ)

الناشر: دار الهدى، عين مليلة - الجزائر

عام النشر: 2010

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید