المنشورات
مناجاة بين أسير "وأبى بشير"
لما اندلعت الثورة ألقي القبض على الشاعر وزج به في السجن ثم أطلق سراحه بعد المحاكمة، ثم امتحن بتجربة استعمارية قاسية فنجاه الله منها بلطف خاص والحمد لله، فغادر "عين مليلة" إلى بسكرة فألزم بالإقامة الإجبارية وحرم من حق حرية الاجتماع وطوق برقابة شديدة إلى انتهاء الثورة سنة 1962.
وفي فترة من فترات وحدته المضنية سمع صوت هذا الطائر الجميل داخل منزله وكأنه يحييه بصوته العذب تحية طيبة مباركة فاستبشر بذلك وتفاءل خيرا بقرب انفراج الأزمة وأبت له شاعريته إلا أن يرد تحية زائره المحبوب ويناجيه بهذه النجوى الطريفة:
•---------------------------------•
جزمت بقرب إطلاق الاسير …*… غداة سمعت صوت (أبي بشير) (1)
فقمت مرحبا بنزيل يمن …*… علي بكل إكرام جدير
وجئت أبثه نجواي سرا …*… ومن للحر بالصوت الجهير
أناجيه بامالي وحالي …*… وأستفتيه عن شعبي الكسير
كما ناجا الأمير أبو فراس …*… حمامته بشعر مستثير
فقلت أبا بشير أنت ضيف …*… قراك الشعر لا حب الشعير
رأيتك فابتهجت فكن سميرا …*… لمشتاق إلى سمر السمير
وواع ما تقول ورب مصغ …*… لصوتك ما وعى غير الصفير
أراك أبا بشير ضيف خير …*… وطائر رحمة للمستخير
وكل سفارة لك فهيي بشرى …*… فأهلا بالسفارة والسفير
أرح قلبي برقزقة الأماني …*… ومتعني بمنظرك النضير
وأنبئني عن الامل المرجى …*… وحدثني عن الحدث الخطير
فقال: لقد أتيتك من بعيد …*… فأصغ الي وارو عن الخبير
كما أصغى (سليمان) قديما …*… الى أنباء هدهده الصغير
سيحمد شعبك العقبى قريبا …*… ويحرز نصره بيد القدير
ويشهد بعث دولته فيرضى …*… ويحضى بالهلالي المنير
ويحكم حكمه الشوري حرا …*… وخير الحكم حكم المستشير
اذا كان الوفاق له دليلا …*… فمجلوب إلى خير كثير
وان كان الشقاق له سبيلا …*… فمنكوب بشر مستطير
فقم واهتف بوحدته وحرض …*… عليها فهي كهف المستجير
وكن عبدا لها واطلب رضاها …*… ولو بالصبر والذل المرير
أذانات السلام غدا تدوي …*… فيسكت صوتها صوت النفير
كاني بالجزائر في ابتهاج …*… بنصرتها على الباغي المغير
لقد شطت فرنسا في أذاها …*… وحطتها الى الدرك الحقير
سقتها بالعذاب كؤوس صاب سواه …*… وآخر سقيها شرب المدير
فقل لمن استعار حمى سواه …*… أعده بغيرمطل للمعير
كأني بالمواكب وهي نشوى …*… من التحرير ترفل في الحرير
وتهتف للجزائر عابرات …*… بشتى الطرق تعبق بالعبير
وما شعب الجزائر غير شعب …*… سخي بالفدى حر الضمير
وحسبك ثورة الأحرار حكما …*… أخيرا منه في العهد الأخير
لقد ضحى بثورته فأضحى …*… بها في الصبر منقطع النظير
ولا تزعجك الاف الضحايا …*… وما أجراه من دمه الغزير
فتلك شهادة الشهداء فيه …*… وذلك أجر مطلبه الكبير
أتى استقلاله حتما فأبشر …*… وبشر ما لقولك من نكير
ودع عنك التشاؤم فهو وهم …*… وهم ليس يجمل بالبصير
فليس لأمة بالحق ثارت …*… مصير غير تقرير المصير!
مصادر و المراجع :
١- ديوان محمد العيد آل
خليفة
المؤلف: محمد
العيد بن محمد علي خليفة (المتوفى: 1399هـ)
الناشر: دار
الهدى، عين مليلة - الجزائر
عام النشر: 2010
27 يونيو 2024
تعليقات (0)