المنشورات

دمة منهمرة على فتاة منتحرة

رثى الشاعر بهذه القصيدة فتاة من أحد الأسر الإصلاحية، ألم بها عارض طغى فيه اليأس على الرجاء، والهوى على العقل، شأن الفتيات الغريرات، فانتحرت بالتردي من شاهق بوادي قسنطينة الشهر، (وادي الرمال) وتركت لأبويها حزنا يمده الدمع، ووصل النبأ بذلك الحادث إلى الشاعر فقال هذه القصيدة المؤثرة التي نشرت في العدد (204) من "البصائر" سنة 1952م.
•---------------------------------•
أذرت عليك دموعها الانداء …*… يا زهرة عصفت بها النكباء
ماذا دهاك من الحياة فعفتها …*… وعرتك فيها نظرة سوداء
ألقيت نفسك من شفير شاهق …*… يخشى الوقوف بجنبه الجرآء
ما هابه الليث الهصور من الردى …*… قدرت عليه الظبية الهيفاء
صدمتك من وادي الرمال صخوره …*… وطواك منه لدى الهوي هواء
وسقطت صرعى لم يقلك في الثرى …*… فرش ولم يسدل عليك غطاء
وقضيت لا قربى تحوط ولا يد …*… تأسو ولا عطف ولا إدناء
فبكتك في (سرتا) ظباء كناسها …*… وشبولها وغياضها الغناء
وتساررت فيها بنعيك ورقها …*… ورقاء تهدل إثرها ورقاء
أسفي عليك ذوى شبابك فجأة …*… قبل الجنى وجنى عليه جفاء
ضاقت بك الدنيا بما حبت فما …*… وسعتك أرض أو وقتك سماء
وأجلت طرفك في الوجوه جميعها …*… فاذا الضياء أمامه ظلماء
فسخوت بالدنيا وزهرتها لمن …*… في البؤس عز بها عليه سخاء
الموت جاءك خاطبا فرضيته …*… زوجا وباء بصدك الخطباء
فزففت في عرس لزوجك …*… صاخب لكن خضابك يا عروس دماء
أما صداقك يا عروس فلوعة …*… حرى تذوب بنارها الاحشاء
وفجيعة بك يا عروس وجيعة …*… نكبت بها الأهلون والقرباء
لا أستبيح لك التردي إنه …*… رغم اضطرارك زلة نكراء
لا أستطيب لك الردى ولو أنه …*… لك من جميع النائبات وقاء
في كل كارثة لكل موحد …*… أمل له في كشفها ورجاء
من كان مرتكز اليقين فعسره …*… يسر عليه وبؤسه نعماء
ماذا جنت أم جبتك حنانها …*… وأب عليك له يد بيضاء؟
مستهما الضراء منك أليمة …*… ودهتهما من بؤسك البأساء
فكلاهما آس عليك وآسف …*… قد برحت بحشاهما البرحاء
أخطأت رأيا في انتحارك إنه …*… ذنب يشين وفكرة حمقاء
ليس انتحارك كان رزءا واحدا …*… في وقعه بل إنه أرزاء
ما كان حل المشكلات بحادث …*… للنفس فيه على الشقاء شقاء
إني وقفت عليك وقفة شاعر …*… أرثيك إن أجدى عليك رثاء
متحسرا ومن التحسر ندبة …*… ومعاتبا ومن العتاب بكاء
عرضت عرضك للظنون وعسفها …*… إن الظنون مطية عمياء
أزرى بعرضك ما يقال توهما …*… ولعله مما يقال براء
وأصاب نفسك ما يجل مصابه …*… ولعل نفسك للنفوس فداء
ولعل رزأك نوبة نفسية …*… أوعثرة في السير أو إغماء
أو لفحة بك في ذكائك أحرقت …*… منك الحجى ومن الذكاء ذكاء
قد حفت الأيدي بنعشك فاعتلى …*… كالفلك تزخر تحته الدأماء
ما شيعتك جنازة بل أمة …*… نشرت فلم يستوفها إحصاء
ذابت قلوب جميعهم لك رحمة …*… ورضى الرحيم يناله الرحماء
هل فوق نعشك جثة أم توأم …*… لبنات نعش أم هي الجوزاء؟
أم فلذة من قلب أروع ضاحك …*… للنائبات جبينه وضاء
لا تيأسي من روح ربك إنه …*… ماحي الكبائر محسن معطاء
أضفى عليك الله حلة عفوه …*… وسقتك من رحماته أنواء
واذا ابتلى الله العباد فجهدهم …*… صبر له وتضرع ودعاء
...
قل للشباب المستبد برأيه …*… المستفزة وجده الأهواء
من يتغظ بسواه في أخطائه …*… تلهمه وجه صوابه الأخطاء
إن انتحار اليائسين جناية …*… عظمى يبوء بخزيها الجبناء
دنياك معركة يفوز بكسبها …*… رأي أسد وهمة قعساء
والأرض سوق بالنقائض أفعمت …*… دأب الورى بيع بها وشراء
الفوز والإخفاق بعض عروضها …*… يعطى ويأخذ منهما الأحياء
من فاته فيها الرجاء فمفلس …*… لا يرتجى أبدا له إثراء
والخلق صيد النائبات فكلهم …*… غرض لها في الرصيد وهي رماء
من ينج من بلوى يقع في مثلها …*… فمن البلاوي لا يتاح نجاء
والله يحكم ثم يمضي حكمه …*… في الكائنات كما يرى ويشاء
سبحانه خفيت حقائق علمه …*… عنا فلم تستجلها الآراء
ما فاز الا مؤمن متوكل …*… متجمل مهما عراه بلاء
فله بأسباب الإله تمسك …*… وله بأحكام الإله رضاء














مصادر و المراجع :

١- ديوان محمد العيد آل خليفة

المؤلف: محمد العيد بن محمد علي خليفة (المتوفى: 1399هـ)

الناشر: دار الهدى، عين مليلة - الجزائر

عام النشر: 2010

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید