المنشورات

احذر سخط السلطان واخضع له

اعلم أن أكثرَ الناسِ عدواً جاهداً حاضراً جريئاً واشياً وزيرُ السلطانِ ذو المكانةِ عندهُ. لأنهُ منفوسٌ عليه مكانهُ بما ينفسُ على صاحبِ السلطانِ. لأن من حاسديه أحباءً السلطانِ وأقاربهُ الذين يشاركونهُ في المداخلِ والمنازلِ. وهم وغيرهم من عدوهِ الذينَ هم حضارهُ ليسوا كعدو السلطانِ النائي عنهُ والمكتتمِ منهُ. وهم لا ينقطعُ طمعهم من الظفر بهِ، فلا يغفلونَ عن نصبِ الحبائلِ لهُ.
فاعرف هذهِ الحالَ، والبس لهؤلاء القومِ الذينَ هم أعداؤكَ سلاحَ الصحةِ والاستقامة ولزومَ المحجةِ فيما تسر وتعلنُ. ثم روح عن قلبك حتى كأنكَ لا عدو لك ولا حاسدَ.
وإن ذكرك ذاكرٌ عند السلطانِ بسوء في وجهكَ أو في عينيكَ فلا يرين السلطانُ ولا غيرهُ منكَ اختلاطاً لذلك ولا اغتياظاً ولا ضجراً.
ولا يقعنّ ذلك في نفسك موقع ما يكرثكَ، فإنهُ إن وقع منكَ ذلك الموقعَ، أدخل عليك أموراً مشتبهتةً بالريبةِ مذكرةً لما قالَ فيكَ العائبُ. وإن اضطركَ الأمرُ في ذلكَ إلى الجواب فإياكَ وجوابَ الغضبِ والانتقامِ وعليك بجوابِ الحجةِ في حلمٍ ووقارٍ. ولا تشكنَّ في أن الغلبةَ والقوةَ للحليمِ أبداً.
لا تتكلمن عند الوالي كلاماً أبداً إلا لعنايةٍ، أو يكونَ جواباً لشيء سئُلتَ عنه. ولا تحضرن عند الوالي كلاماً أبداً لا تعني بهِ أو تؤمرُ بحضورهِ.
ولا تعدن شتم الوالي شتماً، ولا إغلاظهُ إغلاظاً، فإن ربح العزةِ قد تبسطُ اللسانَ بالغلظةِ في غير سخطٍ ولا بأسٍ.
جانب المسخوط عليهِ والظنين به عند السلطانِ. ولا يجمعنكَ وإياهُ مجلسٌ ولا منزلٌ، ولا تظهرنَ لهُ عذراً، ولا تثنينّ عليه خيراً عند أحدٍ من الناسِ.
فإذا رأيتهُ قد بلغ من الإعتابِ مما سخط عليه فيه ما ترجو أن تلينَ لهُ به قلبَ الوالي، واستيقنتَ أن الوالي قد استيقنَ بمباعدتك إياهُ وشدتك عليهِ عند الناسِ فضع عذرهُ عند الوالي واعمل في إرضائه عنهُ في رفقٍ ولطفٍ.
ليعلمِ الوالي أنكَ لا تستنكفُ عن شيء من خدمتهِ. ولا تدع مع ذلك أن تقدمَ إليه القولَ، عند بعضِ حالاتِ رضاهُ وطيبِ نفسهِ، في الاستعفاء من الأعمال التي هي أهلٌ أن يكرهها ذو الدينِ وذو العقلِ و ذو العرضِ وذو المروءةِ، من ولاية القتلِ والعذابِ وأشباهِ ذلكَ.
وإذا أصبتَ الجاه والخاصة عند السلطانِ، فلا يحدثن لكَ ذلك تغيراً على أحدٍ من أهلهِ وأعوانهِ، ولا استغناء عنهم، فإنك لا تدري متى ترى أدنى جفوةٍ أو تغيرٍ فتذل لهم فيها.
وفي تلونِ الحال عند ذلك من العارِ ما فيهِ.
ليكن مما تحكمُ من أمركَ ألا تُسارَ أحداً من الناس ولا تهمس إليه بشيء تخفيهِ على السلطانِ أو تعلنهُ فإن السرارَ مما يخيلُ إلى كل من رآهُ من ذي سلطانٍ أو غيرهِ أنهُ المرادُ بهِ. فيكونُ ذلك في نفسهِ حسيكةً ووغراً وثقلاً.













مصادر و المراجع :

١- الأدب الكبير والأدب الصغير

المؤلف: عبد الله بن المقفع (المتوفى: 142 هـ)

الناشر: دار صادر - بيروت

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید