المنشورات

لا تجب إلا إذا سئلت، وأحسن الإصغاء

إذا سأل الوالي غيرك فلا تكونن أنت المجيبَ عنهُ. فإن استلابكَ الكلام خفةٌ بكَ واستخفافٌ منك بالمسؤولِ وبالسائلِ.
وما أنتَ قائلٌ إن قال لكَ السائلُ: ما إياك سألتُ؟ أو قال لكَ المسؤولُ عندَ المسألةِ يعادُ له بها: دونكَ فأجب.
وإذا لم يقصدِ السائلُ في المسألةِ لرجلٍ واحدٍ وعم بها جماعةَ من عندهُ فلا تُبادرن بالجواب، ولا تسابقِ الجلساءَ، ولا تواثب بالكلام مواثبةً. فإن ذلك يجمعُ من شينِ التكلفِ والخفة أنكَ إذا سبقتَ القومَ إلى الكلامِ صارُوا لكلامكَ خصماءَ فتعقبوهُ بالعيبِ والطعنِ. وإذا أنتَ لم تعجل بالجوابِ وخليتهُ للقومِ، اعترضت أقاويلهم على عينكَ، ثم تدبرتها وفكرتَ في ما عندك، ثم هيأتَ من تفكيركَ ومحاسنِ ما سمعتَ جواباً رضياً، ثم استدبرت به أقاويلهم حين تصيخُ إليك الأسماعُ و يهدأ عنكَ الخصُومُ.
وإن لم يبلغكَ الكلامُ حتى يُكتفى بغيركَ، أو ينقطعِ الحديثُ قبل ذلكَ، فلا يكونُ من العيبِ عندك ولا من الغبنِ في نفسكَ فوتُ ما فاتكَ من الجوابِ.
فإن صيانةَ القولِ خيرٌ من سوء وضعهِ، وإن كلمةً واحدةً من الصوابِ تصيبُ موضعها خيرٌ من مئةِ كلمةٍ تقولها في غيرِ فرصها ومواضعها. مع أن كلامَ العجلةِ والبدارِ موكلٌ بهِ الزللُ وسوءُ التقدير، وإن ظن صاحبهُ أنهُ قد أتقن وأحكمَ.
واعلم أن هذه الأمورَ لاتدركُ ولا تملكُ إلا برحبِ الذرعِ عند ما قيل وما لم يقل، وقلةِ الإعظامِ لما ظهرَ من المروءةِ وما لم يظهر، وسخاوةِ النفسِ عن كثيرٍ من الصوابِ مخافةَ الخلافِ والعجلةِ والحسدِ والمراءِ.
إذا كلمكَ الوالي فأصغِ إلى كلامهِ. ولا تشغل طرفك عنهُ بنظرٍ إلى غيرهِ، ولا أطرافك بعملٍ، ولا قلبك بحديثِ نفسٍ.
واحذر هذه الخصلةَ من نفسكَ، وتعاهدها بجهدك.














مصادر و المراجع :

١- الأدب الكبير والأدب الصغير

المؤلف: عبد الله بن المقفع (المتوفى: 142 هـ)

الناشر: دار صادر - بيروت

المصدر: الشاملة الذهبية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید