المنشورات

أول ما عظم أمر قريش فسميت آل الله وقرابينه

حين هزم الله جيش الفيل، وكان من أول حديثهم أن تبعا دخل فى اليهودية فى أيام قباذ، وكان لدوس- رجل من يهود نجران- ضيعة يخرج بنوه اليها ليلا فيجرون فيها من الماء أكثر مما يخصها، فاجتمعت نصارى نجران فقتلوهم، وطلبوا أباهم دوسا فأعجزهم، فقالوا له: أقبل فقال: لا يقبل المرء على الموت، فذهبت مثلا. فقالوا: الى أين عن لهوك وغنائك؟ فقال:
الاحياء يعون. فسار حتى دخل على ذى نواس وكان تهود، فشكى اليه ما أصيب به، فخرج الى أهل نجران فحاصرهم ثم عاهدهم، فلما تمكن منهم أوقع بهم وهم مغترون، فلم ينج منهم الا الشريد.
فلحق بعضهم بالنجاشى ومعه الانجيل قد أحرق أكثره، فلما رآه ساءه، فكاتب ملك الروم بذلك واستدعى من جهته سفنا يحمل فيها الرجال الى اليمن، وبلغ ذاك ذانواس فصنع مفاتيح كثيرة فلما دنا منه جيش الحبشة أرسل اليهم بها، وقال: هذه مفاتيح خزائن اليمن فخذوا المال والارض وانا طوع لكم، فاطمأنوا وتفرقوا فى المخاليف «1» يجبون، فارسل ذو نواس الى المقاولة اذا كان يوم كذا فاذبحوا كل ثور أسود فيكم، فعلموا الذى أراد فقتلوهم فلم يبق منهم الا القليل، وبلغ النجاشى ذلك فجهز اليهم سبعين ألفا عليهم أبرهة ومولى بن حزام، وأمرهم الا يقبلوا صلحا.
فعلم ذو نواس أنه لا قبل له بهم، فركب حتى أتى البحر فأقحم فرسه فيه فغرق، وملكت الحبشة اليمن، ونزل أبرهة صنعاء فى قصر غمدان، فكتب اليه النجاشى: من نزل منزل الملوك تجبر، فاهدم ما أشرف من حيطان غمدان حتى توازى به حيطان بلدك ففعل، ثم انصرف عامة الجيش الى الحبشة.
وأقام بها أبرهة ملكا مستبدا بالاموال، فبعث اليه النجاشى بأرياط، فلما نزل به دعاه الى المبارزة فطمع أرياط فيه،- وكان أقوى منه- وكمن له أبرهة عبدا من عبيده، فلما بادره أرياط وثب العبد فطعنه فقتله، وصفت اليمن لابرهة، وحكم العبد فقال: أريد الا تدخل امرأة على زوجها حتى ابتدىء بها، فقال: لك ذلك، ففعل بذلك زمانا حتى ثارت به أهل اليمن فقتلوه، فقال لهم أبرهة: قد آن لكم ان تكونوا أحرارا، فلما عرف النجاشى عصيان أبرهة حلف على وطء بلاده وجز ناصيته واراقة دمه، فحلق أبرهة شعره وأخذ جزءا من دمه وبعضا من تراب بلده، وكتب الى النجاشى: انما انا عبدك وقد بلغت عنى الكذب، وقد جززت ناصيتي وبعثت بها اليك وبدمى لتريقه وتراب أرضى لتطأه فتبر بيمينك فأعجبه ذلك وأمسك عن الاساءة اليه، فاستجمع ملك اليمن لا برهة.
وبنى كنيسة صنعاء على علوة من غمدان، فاشتغل ببنائها عشر سنين، فلما أتمها رأى الناس شيئا لم يروا مثله قط، وأراد صرف حجاج العرب اليها، حتى دخلها نفر من بنى كنانة من قريش وأحدثوا بها، فغضب أبرهة وعزم على غزو مكة وهدم الكعبة، فخرج بجيش كثيف وتبعه الفساق من خثعم عليهم نفيل بن حبيب وبنو أمه من بنى الحرث بن كعب، فسار حتى نزل الطائف، وفيها بيت يعبد فعزم على هدمه، فقال له مسعود بن معتب: ان رأيت أن تمضى لقصدك، فاذا رجعت رأيت فينا رأيك، فخرج نحو مكة، فلما شارفها أخذ أموال قريش فاستاقها وهم بالمسير، فخرج اليه أبو طالب «1» - وكان له ولأهله فيها ابل- فقال: خل عنها، فلها من لو أراد منعها، فأمر له بإبله، وخرج حتى قام بفناء البيت يدعو الله تعالى ويقول:
لا همّ إنّ المرء يمنع رحله ... فامنع حلالك «2»
لا يغلبنّ صليبهم ومحالهم أبدا محالك ... إن كنت تاركهم وكعبتنا فأمر ما بدالك
بدالك ثم صار أبرهة، فلما انتهى الى المغمس «1» نكص الفيل فزجروه وأدخلوا الحديد فى أنفه حتى خزموه فلم يتحرك، ثم طلعت عليهم طير أكبر من الجراد فقذفتهم بحجارة فى أرجلها فولوا هاربين، ثم هلك أكثرهم وفيهم أبرهة، فلما دفع الله عن قريش شرهم قالت العرب: قريش آل الله وقرابينه قال الحارث بن ظالم:
فإن يك منهم أصلى فمنهم ... قراش للإله بنو قصىّ
وقال أبو الصلت «2» الثقفى فى شأن الفيل:
إنّ آيات ربّنا باقيات ... ما يمارى فيهنّ إلّا الكفور
حبس الفيل بالمعمّس حتّى ... ظلّ يحبو كأنّه معقور
وقال أبو قيس بن الأسلت:
وعندكم منه بلاء مصدّق ... غداة أبى يكسوم «3» مهدى الكتائب
كتائبه بالسّهل تمشى ورحله ... على العدواء فى رؤوس المراقب «4»
فلمّا أجازوا بطن نعمان ردّهم ... جيوش الإله بين ساف وحاصب «1»
وولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد خمسين يوما من طارقة الفيل، قدم الفيل مكة يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة بقيت من محرم، وولد النبى يوم الاثنين لثمان خلون من شهر ربيع الأول، وهو اليوم العشرون من نيسان سنة ثمانمائة واثنتين وثمانين من سنى ذى القرنين، والشمس فى الثور، قال أبو الحسن النسابة:
رواه لنا أبو أحمد عنه ولد- عليه السّلام- يوم الإثنين السابع عشر من ذى ماه، وهو اليوم العاشر من نيسان، وقد مضت من ملك أنوشروان أربع وثلاثون سنة وثمانية أشهر، وكان- صلّى الله عليه وسلم- يقول: (ولدت فى زمن الملك العادل أنو شروان) ، ومن أيام ملوك الروم على عهد قسطة، «2» ومن أيام ملوك اليمن من أول سنة من ملك أبرهة، كذا قال وهو مخالف لما تقدم، ومن أيام ملوك العرب بالعراق لثمان سنين وثمانية أشهر من ملك أبى هند عمرو بن هند، وملك الشام يومئذ أبو الريان الحارث الوهاب.














مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید