المنشورات

اول من حرم الخمر فى الجاهلية الوليد بن المغيرة

وقيل اول من حرمها قيس بن عاصم، وكان يأتيه خمار فيبتاع منه الخمر، ولا يزال فى جواره حتى ينفذ ما عنده، فشرب ذات يوم فسكر سكرا شديدا، فجذب ابنته، وتناول ثوبها، وأنهب ماله ومال الخمار، وانشأ يقول وهو يضربه.
من تاجر فاجر جاء الآله به ... كأنّ لحيته أذناب أجمال
جاء الخبيث بميسانية «1» تركت ... صحبى وأهلى بلا عقل ولا مال
فلما صحا أخبرته ابنته بما صنع، وما قال، فآلى أنه لا يذوق الخمر أبدا، وقال:
رأيت الخمر صالحة «1» وفيها ... خصال تفسد الرّجل الحليما
فلا والله أشربها صحيحا ... ولا أسقى بها أبدا سقيما
ولا أعطى بها ثمنا حياتى ... ولا أدعو لها أبدا نديما
ودخل حارثة بن بدر الغسانى على زياد وفى وجهه أثر، فقال له: زياد:
ما هذا الاثر فى وجهك؟ قال: ركبت فرسا لى أشقر فحملنى حتى صدم بى الحائط، فقال له زياد: انك لو ركبت الاشهب لم يصبك مكروه، وقيل لاعرابى، لم لا تشرب»
الخمر؟ قال: لا أشرب ما يشرب عقلى.
وممن اشتدت رغبته فى الخمر حتى بلغت الغاية، ابن هرمة دخل على المنصور فأنشده:
له لحظات من حفا فى سريره ... إذا كرّها فيها عقاب ونائل «3»
فأمّ الذى أمّنت آمنة الرّدى «4» ... وأمّ الذى حاولت بالثّكل ثاكل «5»
فأعجب بها المنصور وقال: ما طلبتك؟ قال: تكتب الى عاملك بالمدينة الا يحدنى اذا وجدنى سكرانا، قال: لا أعطل حدا من حدود الله، قال: يحتال لى فكتب الى عامله، من أتاك بابن هرمة سكرانا فاجلده مائة واجلد ابن هرمة ثمانين، فكان العون «1» إذا مروا به يقول من يشترى مائة بثمانين؟ فيتركونه ويمضون.
ومما يجرى مع هذا ما أخبرنا به أبو احمد قال: أخبرنا الكرمانى قال:
أخبرنى أبو جعفر بن العينى عن أبيه قال: حدثنا دعبل الشاعر أنه اجتمع هو ومسلم وأبو الشيص وأبو نواس فى مجلس لهم، فقال له أبو نواس: مجلسنا هذا قد شهد اجتماعنا فيه، ولهذا اليوم ما بعده، فليأت كل امرىء منكم بأحسن ما قاله، فلينشدناه فأنشد أبو الشيص:
وقف الهوى بى حيث أنت فليس لى ... متأخّر عنه ولا متقدّم
أجد الملامة فى هواك لذيذة ... حبا لذكرك فليلمنى اللوّم
أشبهت أعدائى فصرت أحبّهم ... إذ كان حظّى منك حظّى منهم
وأهنتنى فأهنت نفسى صاغرا ... ما من يهون عليك ممن يكرم
فجعل أبو نواس يعجب من هذا الشعر، حتى لا يكاد ينقضى عجبه، وأنشد مسلم أبياتا من شعره الذى يقول فيه:
موف على مهج «2» فى يوم ذى رهج «3» ... كأنّه أجل يسعى الى أمل 
فقال له أبو نواس: هات يا أبا على، وكأنى بك قد جئتنا بأم الفلا.
لا تعجبى يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
فقلت: كأنك كنت فى نفسى، ثم سألوه ان ينشدهم، فأنشدهم:
لا تبك ليلى ولا تطرب الى هند ... واشرب على الورد من حمراء كالورد
كأسا إذا نزلت فى حلق شاربها ... أبصرت جمرا بها فى العين والخدّ
والخمر ياقوتة والكأس لؤلوة ... من كفّ جارية ممشوقة القدّ «1»
تسقيك من عينها خمرا ومن يدها ... خمرا فمالك من سكرين من بدّ
لى نشوتان وللنّدمان «2» واحدة ... شىء خصصت به من دونهم وحدى
قال: فقاموا فسجدوا له، قال: أفعلتموها أعجمية؟ لا كلمتكم ثلاثا وثلاثا وثلاثا ثم قال: تسعة أيام، وهجر الاخوان كبيرة، وفى هجر بعض يوم استصلاح للفاسد، وعقوبة على الهفوة، ثم التفت الينا فقال: أعلمتم ان رجلا عتب «3» على أخ له فى المودة، فكتب اليه المعتوب عليه، يا أخى، أن أيام العمر أقل من أن تحتمل الهجرة، قال أبو هلال: فأخذ هذا المعنى بعضهم فقال:
الدهر أقصر مدة ... من أن يمحّق بالعتاب
وقال فى معناه:
لا تعن الدهر على مبتلى ... يرجوك أن تكفيه الدهر
وعد الى الوصل فعمر الفتى ... أقصر أن يحتمل الهجر
















مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید