المنشورات

أول من أسلم من المهاجرين

اختلف فى ذاك: فروى أن أول من أسلم على بن أبى طالب- عليه السلام- اخبرنا أبو احمد قال: حدثنا الجوهرى قال: حدثنا زكريا بن يحيى المنقرى قال: حدثنا محمد بن صالح العدوى قال: حدثنا أبو حبيب بن رزين قال: حدثنا أبو إسحاق الهدانى عن الشعبى قال أخبرنا: أشياخنا منهم جرير بإسلام أبى بكر رضى الله عنه فى خبر طويل قال أبو بكر: فلما قدمت مكة استبشروا فظنوا أنهم فتح عليهم بقدومى فتح، واجتمعوا إلى، وشكوا أبا طالب، وقالوا: لولا تعرضه دونه لما انتظرنا به، قلت: ومن تبعه على مخالفة دينهم؟ قالوا: بنو أبى طالب. وهذا يدل على أن عليا- عليه السّلام- اذ ذاك بالغ ولو كان صبيا صغيرا لما اعتد به تابعا.
أخبرنا أبو أحمد قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زهير الحافظ قال: حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة قال: حدثنا عبد الله بن موسى قال: حدثنا العلاء بن صالح عن المنهاك بن عمر وعن عباد بن فلان الاسدى قال: سمعت عليا- عليه السلام- يقول: أنا عبد الله، وأنا أخو رسول الله، وانا الصديق الاكبر، لا يقولها بعدى الا كذاب مفتر، ولقد صليت قبل الناس بسبع سنين «1» .
أخبرنا أبو أحمد قال: اخبرنا ابراهيم بن الخليل الجلاب ببغداد قال: حدثنا عثمان بن أبى شيبة قال: حدثنا يحيى بن يمان عن سليمان عن سلم الاعور عن حسنة العرنى عن على- رضى الله عنه- قال: بعث رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- يوم الإثنين، وأسلمت يوم الثلاثاء، وأخبرنا أبو أحمد قال: اخبرنا عبد الله بن محمد ابن عبدان قال: حدثنا الثقفى قال: حدثنا عثمان بن أبى شيبة قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد عن نصر قال: أسلم على- عليه السلام- وهو ابن أربع عشرة «1» سنة وكانت له ذؤابه.
وأخبرنى أبو احمد قال: أخبرنا محمد بن أبى عمر النهدى قال: حدثنى أبو عبد الله ابن زياد بن سمعان المدائنى عن محمد بن على بن الحسين قال: على أول ذكر آمن، وهو ابن إحدى عشرة سنة، وهاجر الى المدينة وهو ابن أربع وعشرين سنة، وقالوا: أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وقالوا: اثنتا عشرة سنة.
أخبرنا أبو أحمد قال: أخبرنا أبو بكر بن دريد عن أبى حاتم عن الاصمعى قال: وفد الوليد بن جابر بن ظالم على النبى- صلّى الله عليه وسلم- وصحب عليا، وشهد معه صفين، وكان من فرسانه المشهورين، ثم وفد على معاوية فى الاستقامة، فدخل فى جماعة وفد العراق، فلما انتسب له قال: انت صاحب ليلة الهرير؟ «2» قال:
نعم، قال: والله لكأنى بك الآن ترتجز وتقول:
شدّوا فدا لكم امّ وأب ... فانّما الملك غدا لمن غلب
هذا ابن عمّ المصطفى والمنتخب ... بنوه «3» فى العلياء سادات العرب
ليس بموضوم «4» اذا نصّ النسب ... أوّل من صام وصلّى واقترب
قال: أنا قائلها، وذاك أنا كنا مع رجل لا نعلم خصلة توجب الخلافة، ولا فضيلة تصير الى المقدمة الا وهى مجموعة له، وكان أول الناس سلما، وأرجحهم حلما، وأكثرهم علما، فات الجياد فلا يشق غباره، واستوى على الامد «1» فلا يخاف عثاره، وأوضح المنهج الهدى فلا يبيد مناره، وسلك القصد فلا تدرس آثاره، «2» فلما ابتلانا الله بافتقاده، وجعل الامر الى من شاء من عباده، دخلنا فى جماعة المسلمين، فلم ننزع يدا من طاعة، ولم نصدع صفاة جماعة، «3» على أن لك منا ما ظهر وقلوبنا بيد الله، فأقبل صفونا، وأعرض عن كدرنا، ولا تشهد كوامن الاحقاد فان النار تقدح بالزناد، قال: وانك لتهددنى بأوباش «4» العراق محر نجم النفاق، «5» ومستقر الشقاق، والفجار الفاسق الملحده المراق، قال:
يا معاوية، هم الذين اشرقوك بالريق، وحبسوك فى المضيق، وذادوك «6» عن سنن الطريق، حتى حاكمت بالمصاحف الى من صدق بها وكذبت، وآمن بمنزلها وكفرت، وعرف تأويلها وانكرت.
فغضب معاوية وادار طرفه فيمن حوله فاذا جلهم من قريش، فقال: أيها الشقى الخائن، انى لأخال ان هذا آخر كلام تفوه به، وكان عفير بن سيف بن ذى يزن يومئذ بدمشق بباب معاوية، فأخبر بمقال الطائى ومراددته معاوية فخاف عليه، فأقبل وقدهم معاوية بقتله، فنظر الى من حضر من اليمانية، وقال: شاهت الوجوه ذلا وقلا وجدعا، كشم «7» الله هذه الانوف كشما موعبا، ثم قال: يا معاوية، انى والله ما أقول قولى هذا حبا لاهل العراق ولا جنوحا اليهم، ولكن الحفائظ تحل الاحقاد، والله لقد رأيتك بالامس خاطبت أخا تميم وهو أعظم جرما من هذا وأنكى لقلبك، وأقدح فى صفاتك وأجد فى عدواتك وأشد استنصارا فى حربك، ثم توبته وسرحته، وأمرت بقتل ابن عمك تناسيا لنا واستصغارا لجماعتنا كأنا لا نمر ولا نحلى، ولعمرى لو وكلتك بنو قحطان الى قومك لكان جدك الغابر وذكرك الداثر وحدك المفلول وعرشك المثلول، «1» فأربع على ظلعك، «2» وأطونا على بلالتنا، «3» يسهل لك حزننا وينقد لك ضغننا، «4» فانا لا نرام بسواء للضيم، «5» ولا نتلمط جزع الخسف «6» ولا نغمز تغماز التين ولا ندر على الغضب، «7» فقال معاوية: ان الغضب شيطان فأربع أيها الانسان، فانا لن نأتى لصاحبك سوءا، ولم نرتكب منه ممضغا، «8» ولم نهتك له محرما، فدونك هو، لم يضق عنه من حلمنا ما وسع غيره، وأخذ عفير بيد الطائى وخرج الى منزله وقال: لتئوبن «9» بأكثر مما آب به أحد، ففرض على كل واحد من اليمانية دينارين من عطائه فبلغت اربعين الفا، فتجعلها من بيت المال ودفعها اليه ورده الى العراق.
وأخبرنا أبو أحمد قال: أخبرنا الجوهرى عن أبى زيد عن يوسف بن موسى القطان عن حكام بن سلم عن أبى درهم ان الحجاج بعث الى الحسن، فلما حضر قال له يزيد بن ابى مسلم: ان الامير يريد ان يدفع الى التجار الف درهم على ان يردوها اليه عند الحول (ده دوازده) ، «10» فما ترى؟ قال: ذلكم محض الربا، قال: لا تفسد على الامير عمله فقال: ان الله لم يجعل هذا الدين هوى للملوك وأتباعهم قال: فاستوى الحجاج وقال: ما تقول فى أبى تراب؟ قال: من أبو تراب؟ قال: ابن أبى طالب، قال: اقول: ان الله جعله من المهتدين، قال:
هات برهانا، قال: قال الله تعالى: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها..
إلى قوله تعالى وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ
وكان على أول من هدى الله مع النبى- صلّى الله عليه وسلم- قال: رأى عراقى، قال: هو ما تسمع، ثم خرج وقال: لما عوفيت من الفاسق ذكرت عفو الله عن العباد فى كلام هذا معناه.
وقالوا أول من أسلم أبو بكر رضى الله عنه.
حدثنا أبو أحمد عن عبد الله بن العباس عن الفضل بن عبد العزيز عن ابراهيم الجوهرى عن الواقدى قال: حدثنى عبد الملك بن سليمان الاسلمى عن النضر عن سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: أول من أسلم أبو بكر، وقيل لبلال وقد رجع من الحلبة بالشام، من سبق؟ «1» قال: النبى- صلّى الله عليه وسلم- قالوا:
فمن صلّى؟ «2» قال: أبو بكر، قالوا: إنما سألناك عن الخيل، قال: انما أجبتكم عن الخير.
وأخبرنا أبو أحمد قال: أخبرنا أبو روق عن الرياشى عن الاصمعى قال:
أراد عمر أن يمنع الحلبة فقيل له: سوق من أسواق العرب، قال: فليركبها أربابها، فلما أرسلت الخيل أقبل أعرابى على فرس وهو يقول:
غاية مجد رفعت فمن لها ... نحن حويناها وكنّا أهلها
لو ترسل الرّيح لجئنا قبلها
فعثرت فرسه فسقط، فتقدمه رجل من ولد أبى بكر الصديق- رضى الله عنه- بفرسه، فقال الاعرابى: يا أمير المؤمنين، قد رأيت ما جرى، قد رأيت أنه قد سبقنى، وأتاك رجل كان أبوه سباقا الى الخير.
وقيل ان أبا بكر- رضى الله عنه- رابع أربعة من المسلمين، والشاهد ما روى زكريا بن يحيى الطائى عن أبى بكر عن حميد بن منهب حاجا فى السنة التى قتل فيها عثمان بن عفان- رضى الله عنه- فصادفت طلحة والزبير وعائشة بمكة، فلما ساروا الى البصرة سرت معهم، فلما وقفت عائشة بالبصرة قالت: ان لى «1» عليكم حرمة الامومة، وحق الموعظة، لا يتهمنى الا من عصى ربه «2» بى ميز مؤمنكم من منافقكم، وفى رخص لكم فى صعيد الأقواء، وأبى رابع «3» أربعة من المسلمين، وأول من سمى الصديق، مضى رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- راضيا عنه، فطوقه وهف الامامة، ثم اضطرب حبل الدين، فأخذ بطرفه وربق لكم أبناءه، ورتق لكم فتق النفاق، وأغاض نبع الرده، وأطفأ ما حشت يهود، وانتم يومئذ جحظ «4» العيون تنظرونه الغدره، وتسمعون الصيحة، فرأب الثأى، «5» وأودم العطلة، «6» وامتاح من الهوة، «7» واجتهز من الردى، «8» ثم انتظم طاعتكم بحبله فى ذات الله، فولى أمركم رجلا مرعيا اذا ركن اليه، بعيد ما بين اللابتين اذا ضل، عركة للاذاة بجنبه «9» صفوحا عن أذى الجاهلين، يقظان الليل فى نصرة الاسلام، خشاش المرآة، فسلك مسلك السابقين، ففرق شمل الفتنة، وجمع أعضاد ما جمع القرآن وأنا نصب المسألة عن مسيرى هذا، لم ألتمس إثما، ولم أورث فتنة أوطئكموها، أقول قولى هذا صدقا وعدلا، واعذارا وانذارا وأسأل الله أن يصلى على محمد وأن يخلفه فيكم بأفضل خلافة المرسلين.
فانطلق رجل سمع مقالتها الى الاحنف بن قيس وهو معتزل فى بنى سعد وأخبره بما قالت، فأنشأ الاحنف يقول:
لشتّان ما بين المقامين تارة ... نضارا وطورا غدرة يستقيلها
فلو كانت الاكنان دونك لم تجد ... عليك مقالا أو هناة تقولها «1»
وقفت يمينا للسّيول وقلّ من ... يقوم بها إلّا علاه بليلها «2»
محضت سقائى عذرة ولمامة ... وكلتاهما كانت لغولك غولها «3»
ألمّا ترى أنّ الامور بضرّة ... من الشرّ كم يعبأ بليلى ليلها
حجابك أخفى للّتى تسترينها ... سفورك أدعى للّتى لا أقولها
فلما بلغت عائشة مقالة الاحنف قالت: لقد استفرغ حلم الاحنف لقد
استفرغ الاحنف حجاه إياى، الى الله أشكو عقوق أبنائى، ثم أنشأت تقول:
بنىّ أتّعظ انّ المواعظ شهّد ... ويوشك ان تبكى عيونك ميلها
ولا تستهن بالله حقّ امومتى ... فانّك اولى النّاس الّا تقولها
(ولا يطعننىّ بالخنا من له حجى ... فى أمّة قد كان بعلى رسولها «1» )
قال أبو هلال رحمه الله قولها (حق الامومة) من قولهم أم بين الامومة، وقولها (فى رخص لكم فى صعيد الاقواء) يعنى التيمم بالصعيد، وكان النبى- صلّى الله عليه وسلم- أقام عليها فى سفر «2» فلم يجدوا ماء فنزلت آية التيمم، وواحد الاقواء أقا وهو الصخر، وقولها: (وأبى رابع أربعة من المسلمين) يقال: أنه أسلم قبله خديجة وعلى وزيد بن حارثة، وقولها: (وهف الامامة) أى معظمها، وقولها (ربق لكم أبناءه) أى جمع، والربقة الحبل، وفى الحديث «من خلع ربقة الاسلام من عنقه فهو دان» وقولها: (حشت يهود) أى أوقدوا، وقولها: (أودم العطلة) »
والعطلة التى عطلت ورمى بها، والودم بها نوع من السير، وقولها: (بعيد ما بين اللابتين) أى الجانبين، واللابة أرض تركبها حجارة سوداء، وقولها: (خشاش المرآة) الخشاش الخفيف الصعل،والمرآة مفعلة من الرؤية «1» وقول الاحنف.
لشتّان ما بين المقامين تارة ... نضارا وطورا غدرة يستقيلها
يعنى اختلاف قول عائشة فى عثمان رضى الله عنه.
أخبرنا أبو القاسم عن العقدى عن أبى جعفر عن المدائنى عن أبى مخنف عن كبير بن أبى اسماعيل عن عمر بن بشير عن عمته أم زيد قالت: كنت مع عائشة- رضى الله عنها- بمكة، فأتاها ان عثمان قتل، فقالت: أبعده الله بما قدمت يداه، يا معشر قريش لا يشأمنكم عثمان كما شأم أحمر ثمود قومه، ان أحق بهذا الامر ذو الاصبع.
ثم أتاها أن عليا رضى الله عنه استخلف، فقالت: تعسوا، لا تؤمروا بنى تميم أبدا، يأيها الناس، ان عثمان قتل مظلوما، وان عليا أخذ الامر بغير شورى، والله لا نرضى لنقاتلنه، فقالت أم سلمة: يأيها الناس، ان عثمان قتل، وان الناس ولوا عليا خير من تعلمون، وقد بايعنا فبايعوا عليا، وكان الاحنف يميل الى أمير المؤمنين على- عليه السلام- أيام الجمل، فاعتزل فى بنى سعد يمنعهم عن قتاله، وما روى عنه فى على الا واحدة.
أخبرنا أبو القاسم قال: حدثنا العقدى قال: حدثنا أبو جعفر قال: حدثنا أبو الحسن المدائنى عن مشيخة بن تميم ان الاحنف لم يتعلق عليه الا ست خصال، قوله فى أمر الزبير حين قيل له: هذا الزبير قد مر آنفا فقال: (ما اصنع به؟ وقد جمع بين جيشين عظيمين يقتل بعضهم بعضا، وها هو ذا صار الى منزله سالما) «2» واتبعه ابن جرموز فقتله، فقال الناس: الاحنف قتله وقوله حين أتاه كتاب الحسن بن على- عليهما السلام- يستنصره: قد بلونا حسنا وآل أبى الحسن، فلم نجد له ايالة للملك، ولا صيانة للمال، ولا مكيدة فى الحرب، ولم يجبه، وقوله للمرأة حين أتته بمجمر: أست المرأة احق بالمجمر، وقوله للحباب بن يزيد: أسكن يا آدر وكان آدر وقوله لقطرى بن الفجاءة «1» الخارجى: ان أبا نعامة أشار على القوم فركبوا البغال، وجنبوا الخيل، وأصبحوا ببلد وأمسوا بغيره، فأقمن ان يطول أمرهم، فأخذ قطرى بقوله، وأتاه رجل فلطمه فقال له: لم لطمتنى؟ قال: جعلوا لى جعلا ان ألطم سيد بن تميم، فقال: انك اخطأت، سيد بنى تميم جارية «2» بن قدامة، فجاء الرجل حتى لطم جارية، فأخرج جارية سكينا من خفه وقطع يد الرجل فقالوا:
قطعة الأحنف.
















مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید