المنشورات

أول ما وقع الخلاف أول ما وقع الاختلاف من الامة فخطأ بعضهم بعضا حين نقموا على عثمان أشياء نحن ذاكروها

وكان اختلافهم قبل ذلك فى الفقه ولم يكن اختلافا يخطىء فيه بعضهم بعضا. فمما نقموا «1» أمر عبيد الله بن عمر، أخبرنا أبو القاسم عن العقدى عن أبى جعفر عن المدائنى عن نصر بن أبى جمعة عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهرى عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عمر وعن المدائنى عن على بن مجاهد عن حميد بن البحترى عن الشعبى ويزيد ابن عياض وسليمان بن أرقم عن الزهرى عن سعيد ابن المسيب قالوا: قال عبد الرحمن بن أبى بكر: مررت بالهرمزان وجفينة وأبو لؤلؤة وهم نجى، «2» وذلك قبل أن يطعن عمر، فلما بغتهم، تاروا «3» وسقط من بينهم خنجر لها رأسان، قال: وهو الخنجر الذى أصيب به عمر- رضى الله عنه- فدعا عبيد الله الهرمزان وأدخله الى مربد، «4» وقال: انظر الى فرس عندى، فقال: لا اله الا الله فقتله وواراه، وأرسل الى جفينة- وكان نصرانيا- وأدخله المربد وضربه، فلما وجد مس السيف، خر وصلب «5» على الأرض صلبا وسجد، ثم خرج فقتل امرأة أبى لؤلؤة وبنتا له وابنا له صغيرا، فأخذ وحبس- وذلك فى اليوم الثانى من موت عمر- فلما قام عثمان، استشار فى أمره، فقال عمرو بن العاص: دماء سفكت فى غير ولايتك، فاجعلها دية، فأخذ منه خمس ديات وخلى سبيله، وأنكر على- عليه السلام- ذلك، ورأى قتله، فلما ولى خافه عبيد الله، فقدم الكوفة، وسأل الاشتر أن يأخذ له أمانا من على، فأبى، وقال: ان رأيته لاقتلنه بالهرمزان فلحق بمعاوية، فقال معاوية: الحمد لله الذى جعلنى أطالب بدم عثمان، وجعل عليا يطلب بدم الهرمزان، فقال زياد بن بياضة.
أبا عمرو عبيد الله رهن ... ولا تشكك بقتل الهرمزان
أبا عمرو حكمت بغير حقّ ... وما لك بالّتى حدثت يدان
وشهد عبيد الله صفين مع معاوية، وقد أعلم بجلاجل علقها فى أعناق خيله، وهو أول من فعل ذلك، فقتل بصفين.
ونقموا عليه أمر المنبر وقد ذكرناه.
وأمر الحكم بن أبى العاص. أخبرنا أبو القاسم عن العقدى عن أبى جعفر عن المدائنى عن أبى معشر عن عبد الله بن أبى فروة وعن غير هؤلاء قالوا: كان الحكم بن أبى العاص يهزأ برسول الله- صلّى الله عليه وسلم- واذا صلّى قام خلفه وأشار بأصبعه، فاطلع يوما فى حجرة النبى: فقام إليه النبى- عليه الصلاة والسلام- يعيره، «1» فرجع الحكم، فقال النبى: من يعذرنى من هذه الوزغة؟ «2» تطلع على فى بيتى، لو أدركته لفقأت عينه، فسيره الى الطائف، فلما قام أبو بكر سأله عثمان رده فأبى، ثم سأل ذلك عمر فأبى، فلما قام عثمان رده، وقال: كنت سألت رسول الله أن يرده فوعدنى، فلما وليت رددته، ولو كان بين أبى بكر وعمر من القرابة ما بينى وبينه لآوياه.
وخمس أفريقية. أخبرنا أبو القاسم باسناده عن المدائنى عن عيسى بن يزيد ويزيد بن عياض عن جعفر عن عبد الرحمن بن المسور: أن مروان بن الحكم بنى دارا، وصنع طعاما، ودعا الناس، وقال: والله ما أعاننى فى بناء دارى أحد! فقال المسور: أقبل على طعامك ولا تحلف، قال: أو تقول غير ذلك؟ قال نعم وان ذكرته غضبت، قال: فاذكره، قال: غزونا أفريقية سنة سبع وعشرين، فما كنت أنقانا حسبا، ولا أكرمنا فعالا، ولا أكثرنا مالا، ثم حضرنا القتال، فما كنت أشدنا قلبا، ولا أشجعنا لقاء، ولا أعظمنا غناء، ففتح الله على المسلمين، فاشتريت خمس أفريقية، وقدمت على ابن عمك عثمان بشيرا، فوهبه لك، واتخذت أموالك، وبنيت دارك، وأصلحت شأنك، قال: ألم أقل لك انك حسود؟ قال ألم أقل لك انك تغضب؟ وقالوا:
اشترى مروان خمس افريقية، وقيمته أربعمائة ألف دينار، بمائة ألف دينار، من عبد الله بن أبى السرح، فلما قدم المدينة، أدى بعضه، ووهب له عثمان الباقى.
وأمر المصاحف وأمر الحمى وقد ذكرناهما. «1»
وأمر ابن أبى وقاص والوليد. أخبرنا أبو القاسم باسناده عن المدائنى عن على بن مجاهد عن أبى اسحاق قالوا: أوصى عمر فقال: من ولى بعدى من المسلمين فليول البصرة أبا موسى أربع سنين، وليستعمل سعدا على الكوفة، فولى عثمان سعدا تكملة سنة، ثم عزله، وبعث الوليد بن عقبة، فكان يشرب ويلعب، فقال عمرو بن زرارة: عزل عثمان عنا ابن أبى وقاص، الهين اللين السهل القريب الحسن البلاء فى الاسلام، واستعمل أخاه الاحمق الفاجر، فكتب الوليد الى عثمان يشكوه، فكتب اليه: وما لعمرو بن زرارة والانزاع والتأمير، «2» انما ذلك الى المهاجرين الاولين من قريش، وانما عمرو أعرابى جلف جاف، فاتق الله فيما وليت، وانصر الضعيف، وخف الله فى السر والعلانية، قالوا: فلما قدم الوليد الكوفة، قال له سعد: احمقنا بعدك أبا وهب ام كيست «3» بعدنا؟ فقال: فكل ذلك لم يكن، ولكنه سلطان القوم، يضعونه حيث يحبون، فقال سعد متمثلا:
خذينى فجرّينى ضباع وأبشرى ... بلحم امرىء لم يشهد اليوم ناصره
وأنكروا عليه ضربه الرجل الذى شهد على الوليد بالخمر.
أخبرنا أبو القاسم باسناده عن المدائنى عن أبى محمد الناجى عن مطر الوراق قال: قدم رجل المدينة فقال لعثمان: انى صليت الغداة خلف الوليد، فالتفت الينا بعد ما صلّى، وأنا أجد ريح الخمر، فقال: أزيدكم؟ إنى أجد نشاطا، فأمر به عثمان فضرب، فقالت الناس: عطلت الحدود، وضربت الشهود، وقال الحطيئة يذكر صنيع الوليد:
شهد الحطيئة حين يلقى ربّه ... أنّ الوليد أحقّ بالعذر
فنزعت مكذوبا عليك ولم ... تردد الى عوز ولا فقر
ورأوا سماتك ماجدا «1» متبرّعا ... أعطى على الميسور والعسر
نادى وقد كملت صلاتهم ... أأزيدكم ثملا «2» ولا يدرى
ليزيدهم خيرا ولو قبلوا ... لقرنت بين الشّفع والوتر
وأبوا أبا وهب ولو قبلوا ... زادت صلاتهم على عشر
كفوا عنانك «1» اذ جريت ولو ... تركوا عنانك لم تزل تجرى
وأمر ابن مسعود. أخبرنا أبو القاسم باسناده عن المدائنى عن بشر بن عاصم عن الاعمش عن عبد الله بن سنان الاشعرى وعن المدائنى عن محمد بن الفضل عن يزيد بن أبى زياد عن المسيب بن رافع وعن غير هؤلاء قال عبد الله بن سنان: خرج علينا عبد الله بن مسعود، فقال: فقدت من بيت مالكم مالا، لم يكتب به براءة، «2» ولم يأتنى فيه أمر أمير المؤمنين، فكتب الوليد ابن عقبة الى عثمان يشكوه، فعزله من بيت المال، قال: فبينا الوليد يخطب، نهض عبد الله فصلّى، فقال الوليد: أتاك فى هذا أمر أمير المؤمنين أم ابتدعت؟ قال:
لم يأتنى فيه أمره وما ابتدعت ولكن أبى الله أن ينظرك بصلاتنا وأنت تلعب، فكتب عثمان فى حمله الى المدينة، فخرج، فقال عثمان: يأتيكم ذؤيبه، «3» فلا تسلح «4» على شىء، فيأكل منه الا مات، فلما قدم عاتبه، وأحرمه عطاءه ثلاث سنين، فلما حضرته الوفاة، حمله اليه، فقال: حرمتنيه حين ينفعنى، وتعطينه حين لا ينفعنى؟ ورده وأوصى الى الزبير أن يصلّى عليه، فلما مات صلّى عليه، فعاتبه عثمان، وقال: لهممت أن أنبشه «5» واصلّى عليه، فقال الزبير: لو رمت ذلك لحيل بينك وبينه، فوقف على قبره، وترحم عليه، وحمل عطاءه الى ولده، فقال الزبير:
لا ألفينّك بعد الموت تندبنى «6» ... وفى حياتى ما زوّدتنى زادا
وأمر قصره طمار وما جرى فيه بينه وبين عبد الرحمن ابن عوف أخبرنا أبو القاسم العقدى عن أبى جعفر قال: قال أبو يعقوب السروى: بنى عثمان قصره طمار أو الزوراء، وصنع طعاما، ودعا الناس، فحضروا، فلما نظر عبد الرحمن الى بنائه قال: يا ابن عفان. قد صدقنا عليك ما كنا نكذب فيك، وانى أستغفر الله من بيعتك، فغضب عثمان، وقال عبد الله بن العباس: كان يأتيه فيتعلم منه القرآن والفرائض، فمرض عبد الرحمن، فعاده عثمان، فكلمه، فلم يكلمه حتى مات.
وأمر عبادة بن الصامت أخبرنا أبو القاسم باسناده عن المدائنى عن أبى معشر عن محمد بن كعب عن بريك الاسلمى قال: مر بعبادة بن الصامت عير تحمل الخمر من الشام، فقال: أزيت هذا؟ قالوا لا. بل خمر تباع لمعاوية، فأخذ شفرة فشق الروايا «1» فشكاه معاوية الى أبى هريرة، فقال له: أبو هريرة مالك ولمعاوية؟ له ما تحمل، ان الله يقول: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ
«2» فقال: يا أبا هريرة انك لم تكن معنا اذ بايعنا رسول الله- صلّى الله عليه وسلم-، بايعناه على السمع والطاعة، والامر بالمعروف والنهى عن المنكر، نمنعه مما نمنع منه نساءنا وأبناءنا، ولنا الجنة، فمن وفى بها الله وفى الله له أجره، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ
«3» فكتب معاوية الى عثمان: يشكوه فحمله الى المدينة، فلما دخل عليه قال: سمعت رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- يقول: «سيلى أموركم رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصى الله» وعبادة يشهد أن معاوية منهم، فلم يراجعه عثمان.
وايثاره بنى أمية، أخبرنا أبو القاسم باسناده عن المدائنى عن على بن مجاهد عن معمر عن الزهرى وعن غيرهم قال: تزوج سعيد بن العاص أم البنين بنت الحكم، فأعانه عثمان بأربعين ألفا، فهلكت، فتزوج أم عمرو بنت عثمان، فأعطاه مالا من بيت المال، وأمر عبد الله بن الارقم أن أن يكتم عليه حتى يرده، فلم يفعل، وأنكح الحارث بن أبى الحكم ابنته عائشة، ومروان ابنته أم أبان، وعبد الله بن خالد ابن أسيد ابنته أم سعيد، وأعطاهم أموالا من بيت المال، وأخبرنا أبو القاسم باسناده عن المدائنى عن سويد ابن أبى حاتم عن قتادة قال: أمر عثمان للحكم ابن أبى العاص بمائة ألف درهم، ولابى سفيان يمثلها، ولمروان بمائتى ألف، فجاء عبد الله بن الارقم بمفاتيح بيت المال، فوضعها بين يدى عثمان، وبكى، فقال: ما يبكيك إن وصلت رحمى؟
فقال: لعلك جعلت هذا عوضا عما أنفقت فى سبيل الله، لو أعطيت مروان مائتى درهم لكان كثيرا، وقال عثمان: ألق مفاتيحك يا ابن الارقم فانا سنجد غيرك.
ومثله أمر أبى موسى، أخبرنا أبو القاسم عن العقدى عن أبى جعفر عن المدائنى عن شريك عن عمار الدهنى عن سالم بن أبى الجعد قال: قدم أبو موسى على عثمان بمال من العراق، فأخذ منه غلام من آل عثمان قبضة، فقال عثمان: اذهب بها. وقالوا: بل قسمه بين أقاربه، فبكى أبو موسى، فقال:
ما يبكيك؟ قال قدمت على عمر بمال فى العام الاول، فتناول منه صبى درهما، فأخذه عمر فرده الى موضعه، فقال: إن ابا بكر وعمر منعا أرحامهما لله، وأنا أصل رحمى لله.
وأطعامه الحارث بن الحكم سوق المدينة: أخبرنا أبو القاسم عن العقدى عن أبى جعفر بن محمد بن معاوية النيسابورى عن عبد الله بن جعفر عن شريك عن عطاء بن يسار، وأخبرنا أيضا عن أبى جعفر عن المدائنى عن ابراهيم بن محمد عمن حدث عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله قال: قال عطاء: جاء النبى- صلّى الله عليه وسلم- الى سوق المدينة فقال: ان سوقكم هذا لا يضيق، ولا يؤخذ منه خراج او غلة، «1» قال عيسى ابن طلحة: فأطعمه عثمان الحارث بن الحكم، فأنكر الناس ذلك، فخطبهم وقال: ان الله أمر بصلة الرحم، ان أبا بكر وعمر رأيا رأيا، لا نقول انهما أخطآ، رأيا ان يمنعا المال أقاربهما، فلما وليت كان لى قرابتان، أقل قومهم مالا، بهم حاجة، فرأيت أن أصلهم، فأعطيت مروان خمس أرمينيه، فبلغ خمسة عشر ألف درهم، وجعلت الحارث على السوق، يأخذ كل يوم درهمين، ولعله لا ينقلب الا بدرهم، وكان امرا ذا حاجة، وزوجت عبد الله بن خالد بن أسيد،- وكان من أقل قريش مالا- فصنعت شيئا وان رأيتم ذا سرفا وخطأ فخذوه، فقد عرفتم مكانه، وإن لم يكن سرفا ففيم النكير؟
وأمر أبى ذر. قال أصحابنا: ان أبا ذر كان يذهب الى أن المسلم لا ينبغى أن يكون فى ملكه أكثر من قوت يومه، إلا شيئا ينفقه فى سبيل الله، او يعده لغريم، ويتأول على ذلك قوله تعالى وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ
«2» الآية قالوا: فاختار الخروج الى الرّبذة «3» زهدا منه فيما فى أيدى الناس، وكذلك روى عن الحسن، ومما يصدقه ما أخبرنا به أبو أحمد عن الجوهرى عن أبى زيد عن اسحاق بن ادريس بن بكار أن عبيد الله بن العباس قال: كان أبو ذر يقول: لا يبيتن فى بيت أحدكم دينار ولا درهم ولا ذهب ولا فضة الا شيئا ينفقه فى سبيل الله، أو يعده لغريم، «4» فبعث اليه معاوية جنح «5» الليل ألف دينار، أراد أن يخالف قوله فعله، فلما جاءته قسمها، فلم يصبح وعنده منها دينار واحد، فقال معاوية للرسول: انطلق الى أبى ذر وقل له:أرسلنى الى غيرك فأخطات بك، فقال أبو ذر: قل له: ما أصبح عندنا من دنانيرك دينار واحد، فان أخذتنا بها، فأنظرنا نجمعها لك، فلما رأى معاوية ان قوله يصدقه فعله، كتب الى عثمان: ان كان لك حاجة فى الشام فأرسل الى أبى ذر، فقد أوغر «1» قلوب الناس، فكتب اليه ألحق بى.
وقد روى خلاف ما تقدم ذكره من خروجه الى الربذة من تلقاء نفسه.
أخبرنا أبو القاسم عن العقدى عن أبى جعفر عن أبى الحسن عن أبى عبد الرحمن العجلانى وعيسى بن يزيد قالا: أنبأنا بعض أهل العلم، عن رجل من بنى غفار قال: بينا أنا عند معاوية أحدثه، غضب، ولم أر شيئا أغضبه، ثم قال لرجل:
عجل على بأبى ذر، فلم ألبث ان طلع، فاذا رجل طويل مشتمل «2» بكساء، فما سلم حتى جلس، فقال: يا معاوية، لم بعثت الى؟ قال: بلغنى أنك تطعن فى أمير المؤمنين عثمان، وهو إمامك، قال: هو طعن على نفسه، قال: أما والله لولا ان أبده «3» - او لفظ هذا معناه- أمير المؤمنين بما لا أدرى، أيوافقه أم لا؟ لكنت أول أصحاب رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- أضرب عنقه، قال:
قاتلك الله يا معاوية! تراقب عثمان ولا تراقب الله؟ الا أحدثك حديثا سمعته من رسول الله؟ فاسترخت عينا معاوية، وأذناه، وقال: حدثنى، قال: سمعت رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- يقول: «ويح «4» أمتى من أعين الامى، يراوح بين منكبيه،»
يخرج بمن اتبعه من أهله حتى يوردهم نار جهنم، فسيرتطم ويرتطمون» «6» كانك هو ولا أدرى، فقام معاوية، فدخل، وخرج أبو ذر، فلحقته، فسلمت عليه، فتجهمنى، «7» فانتسبت له، فرد علىّ السلام،وكتب معاوية الى عثمان، يخبره ان أبا ذر يطعن عليه، فكتب عثمان يأمره بحمله اليه، فحمله على قتب، «1» تحته مسح، «2» وخرجت معه، فكنت ألقى تحته ردائى، فقرحت فخذاه، وقدمنا المدينة، فلما دخل على عثمان قال:
لا أنعم الله لقين «3» عينا ... أبدا ولا عساه فينادمنا
تحيّة السّحط اذا التقينا
فقال أبو ذر: وما قين؟ والله ما سمتنيه أمى ولا أبى، ولكن رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- كان اذا رآنى رحب بى، وأدنى مجلسى، قال عثمان:
اجلس. ألم يبلغنى أنك تقول: ما أحب أن أكون فى صلاح عمر بن الخطاب؟ قال: وان قلته فمه «4» أسلمت كما أسلم، وهاجرت كما هاجر، وأنا على يقين من نفسى، وشك من غيرى، فقال عثمان: ما ترون فى أبى ذر؟ ودخل على- عليه السلام- وعليه عمامة بيضاء، فقال: لم أرسلت الى؟ قال لامر أبى ذر، قال: فلوما تركتموه كمؤمن آل فرعون. ان كان كاذبا فعليه كذبه، فقال عثمان لعلى: بفيك التراب قال: بل بفيك قبلى، ثم خرج، فمكث الناس أياما، ثم دخل أبو ذر وبين يدى عثمان مال، فقال:
ما ترون فى رجل اذا زكى ماله؟ هل عليه غيره؟ قال كعب الاحبار: لا ليس عليه شىء، فقال أبو ذر: متى كانت الفتيا اليك يا ابن اليهوديه؟ بل عليه أن يصل رحمه، ويتقى الله ربه، فقال عثمان: عن بلدنا، قال الى الشام؟ قال:
لا، قال: فمكة؟ قال: لا. قال: فهو التغريب بعد الهجرة، فخرج الى الربذة ومعه على يشيعه، فأقبل مروان يسير حتى أدخل راحلته بين راحلتيهما ليسمع ما يقولان، فضرب على وجه راحلته، وأعلم عثمان، فلام عليا فقال: إن كان أغضبك أنى ضربت وجه راحلته فهذا وجه راحلتى فاضربوها، وأقام أبو ذر بالربذة حتى مات- رضى الله عنه-.
وأمر عمار بن ياسر وعائشة: أخبرنا أبو القاسم عن العقدى عن أبى جعفر عن المدائنى عن الاعمش عن سالم بن أبى الجعد وأخبرنا باسناده عن أبى جعفر قال: قال أبو يعقوب السروى: وأخبرنا غير هؤلاء جعلت أحاديثهم حديثا واحدا قالوا: جعل الناس ينقمون على عثمان ايثاره بنى أمية، وهو يعمل على شاكلته، فكتب عمار والمقداد ومعهما نفر كتابا اليه، يذكرون فيه ما ينقم الناس عليه، فمضى به عمار اليه، وتسلك «1» الباقون، فلما قرأه قال: أنت كتبت هذا؟ قال نعم، ونفر معى. قال من هم؟ قال: لا أخبرك. قال:
اضربوا العبد، فضربه من بحضرته، وقام هو فوطئه حتى فتقه، وكان لا يستمسك بوله فحمل مغشيا عليه، فقالت عائشة: إنك برىء من صاحب هذه الحجرات فقال: من لى بهذه الحميراء؟ انها لمن شر بيت من قريش. فقال طلحة والزبير: كذبت، قال: بل كذبتما، قالا: بل كذبت، قال: بل صدقتما وكذبت فى كلام هذا معناه.
فهذه جملة مما نقم على عثمان- رضى الله عنه- وعذره فى أكثرها واضح، واللائمة عنه ساقطة، الا تراهم رووا ان الذى أخذه من بيت مال المسلمين، ووصل به قرابته انما أخذه ليرد العوض عنه، وليس فى أخذه على هذه الشريطة أثم، وأما ضربه من ضرب، وحرمانه من حرم، فانما كان تأديبا منه لهم، لما كان من اجترائهم عليه، ومراجعتهم إياه، اذ كان فى ذلك خرق هيئته، «2» والوضع من أبهته، «3» وأدبهم ليعز سلطان الله فى أرضه.
وأما قولهم: عطلت الحدود، فكيف يقال ذلك؟ وقد حد الوليد ابن عقبه، وهو أخوه من أمه، وأعز الناس عنده، وحد عاصم بن عمر بن الخطاب ومحمد بن عبد الرحمن بن أبى بكر، «1» ومحمد ابن حذيفة فى الخمر، وغيرهم ممن يطول الكتاب بذكرهم، وأما ضربه الرجل الذى ذكر الوليد يشرب الخمر: فلم يكن شاهدا، وانما يكون شاهدا اذا كان معه شاهد آخر، يشهد بما يشهد به، وإلا فقوله يجرى مجرى النميمة والاغرار، «2» وأما حبه لاقاربه: فغير بديع «3» لان الناس مجبولون على حب القربى، والوحشة من البعداء، وكان فيهم على علاتهم غناء، وعندهم كفاية، فلذلك كان يوليهم، ويستعملهم ويستكفيهم، الا ترى الى فتوح ابن عامر؟ فتح جور «4» واسطخر «5» ونيسابور وطوس ومشى الى سرخس، ووجه الاحنف ففتح قوهيان، والاسود بن كلثوم ففتح بيهق «6» من خراسان. الى غير ذلك من فتوحه، وفتح عثمان بن أبى العاص أرخان، «7» وقالوا: فتحه أبو موسى وبلادا من كورة دار ابجرد، وفتح الوليد بن عقبة التين والطبسين، وموقان من أرمينية، وفتح ابن أبى السرح كثيرا من بلاد المغرب. وكان لهم بأس فى الحرب، ونكاية فى العدو، وحماية الثغور، يقومون فيها مقام غيرهم، وكان الذى يذكرون به من مكروه الافعال، لا يصح عند عثمان، وما صح فيه عنده، أجرى فيه حكم الله فحد الوليد بن عقبة الحد الشرعى فى الخمر ...
وأما قول عبد الرحمن: فانى استغفر الله من بيعتك فان كان صحيحا فانه قالها على جهة المبالغة، فى انكار ما رأى من بنائه وسعة نفقته عليه. لا لصحة الاعتقاد لذلك، لان التوسعة فى النفقة على بناء، واتخاذ طعام، لا يبلغ ان يكون فسقا يستغفر معه من سعته. وكانوا فى ذلك الوقت يستعظمون الصغير من الذنوب، لقرب عهدهم برسول الله- صلّى الله عليه وسلم- ثم بخشونة عمر، وشدة استقصائه ومناقشته على الصغير من المعاصى، وبهذا يتأول قول عائشة: انك برىء من صاحب هذه الحجرات، ونحن نعلم ان عثمان لم يبرأ من رسول الله، وانما قالت ذلك: على حسب ما يقال للرجل اذا أفرط فى ضرب غلامه او ابنه انك لكافر القلب، لما يتصور فى الكافر من القساوة، لا على ان ذلك الضرب كفر هذا الى أنا لا ندعى لعثمان العصمة من الذنوب، بل نقول: يجوز وقوعها منه، مع انصرافه عنها الى التوبة، حتى يموت وهو طاهر من الذنوب، نقى الجيب من العيوب لان النبى- صلّى الله عليه وسلم- أخبر عن عاقبة أمر العشرة أنهم فى الجنة.
وقد فرغ أصاحبنا المتكلمون، من الكلام فى تصويب ما عليه المخالفون من أفعال الأئمة، الا فى هذه الاخبار التى تقدمت، فإنى ما قرأت لاحد منها شيئا، وأرجو ان يكون ما ذكرته من تصويب عثمان فيما نقم عليه، مقنع ان شاء الله.
فكانت هذه الامور سبب الاختلاف بين الناس، لانهم صاروا فريقين عاذر له فيها، وناقم عليه بها، ثم قتلوه فاشتد الخلاف، واشتبكت الحروب، وصار الناس فرقا، فكل يحتج لنفسه وعصابته، ويرد على من يخالفه من غير طائفته، وشرح هذا يطول، وليس كتابنا منه بسبيل، فتركته.















مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید