المنشورات

أول قتال كان بين فريقين من أهل القبلة

أخبرنا أبو احمد عن عبد الله بن العباس عن رجاله عن الواقدى عن عبد الله بن الحارث عن أبيه وأبى القاسم عن رجاله عن المدائنى قال: لما صارت عائشة- رضى الله عنها- وطلحة والزبير بحفر أبى موسى، بعث اليهم عثمان بن حنيف- وهو عامل على البصرة- عمران بن حصين وأبا الأسود الدؤلى، فدخلا على عائشة- رضى الله عنها- وقالا: ما جاء بك؟ قالت: غضبنا لكم من سوط عثمان، أفلا أغضب لعثمان من سيوفكم؟ قالا: وما أنت وسوط عثمان وسيوفنا؟ أنت حبس «1» رسول الله- صلّى الله عليه وسلم-، نذكرك الله أن تهراق «2» الدماء فى سببك، قالت: وهل أحد يقاتلنى؟ قال: أبو الاسود:
نعم. والله قتال أهونه شديد.
ثم دخلا على الزبير وطلحة، وكلماهما، فوقعا فى على ونالا منه، فأتيا عثمان فعرفاه، فأمر الناس فلبسوا السلاح، ودخل طلحة والزبير وعائشة حتى انتهوا الى المربد، فخطبت فقالت: ان عثمان غير وبدل، فلم نزل نغسله حتى أنقيناه، وبلوناه بالشدة حتى أخلصناه، ولما صار كالذهب المصفى عدا عليه السفهاء فقتلوه، ثم أتوا عليا فبايعوه على غير ملأ من الناس أفنغضب لكم من سوط عثمان، ولا نغضب لعثمان من سيوفكم؟ لا يصلح هذا الأمر حتى يرد شورى كما فعله عمر- رضى الله عنه-، فقال بعضهم: صدقت وقال بعضهم: كذبت. واضطربوا بالنعال، فصارت تجمعها، فاستقبلهم عثمان فى الناس، فشجوهم «3» بالرماح، ورماهم النساء والصبيان من فوق البيوت، وأفواه السكك، «4» فاندفعوا حتى أتوا مقبرة بنى مازن، فنابت اليهم نائبة من الناس،ولقيهم عثمان من الغد فى أصحابه فاقتتلوا قتالا شديدا، حتى زالت الشمس، وكثرت القتلى، ثم كتبوا بينهم كتابا لا يتعرض بعضهم لبعض حتى يرد على- عليه السلام-، فوقفوا أياما، ثم جاء عبد الله بن الزبير فى أصحاب له، فطرق «1» عثمان بن حنيف وأسره، وجىء به الى طلحة والزبير فأمرا به فضرب، ونتفت لحيته، وأرادا قتله، فقال معاذ بن عبد الله: ان قتلتموه لا آمن الانصار على ذراريكم بالمدينة، فحبسوه، ثم أرسلوه، فقال حكيم بن جبلة:
ما كنت فى شك من قتالهم، ولقد ازددت فيه بصيرة، فمن كان فى شك فلينصرف فخرج فى سبعمائة من عبد القيس وبكر بن وائل، فقاتلهم، فضرب رجل منهم ساق حكيم فقطعها، فأخذها حكيم فرماه بها فصرعه، ثم جاء اليه فقتله، واتكأ عليه، فمر به رجل فقال: من قاتلك؟ قال وسادتى، «2» وقتل يومئذ سبعون رجلا من عبد القيس، وبلغ أمرهم عليا فقال:
دعا حكيم دعوة سميعه ... نال بها المنزلة الرّفيعه
يا لهف «3» نفسى على ربيعه ... ربيعة السّامعة المطيعه
أتيتها كانت بها الوقيعه ... بين محلّى سوقها والبيعه «4»
فى كلام هذا معناه.
وحدث أسد بن سعيد عن أبيه عن جده عن جد أبيه قال: بلغنى ان عبد الملك بن مروان قال لجلسائه: أخبرونى عن حى من العرب فيهم أشد الناس وأسخاهم وأخطبهم، وأطوعهم فى قومه، وأعظمهم خطرا، وأحلمهم وأحضرهم جوابا، وأسرعهم انتصافا قالوا: فى قريش؟ قال: لا. قالوا: ففى حمير؟ قال: لا. قالوا: ففى مضر؟ قال: لا.
قال مصقلة العبدى: فهم فى ربيعة ونحن منهم: قال: صدقت، قالوا: فمن هؤلاء؟ قال: أما أشد الناس فحكيم بن جبلة، قطعت ساقه فرمى بها الذى قطعها فجندله، «1» ثم جاء اليه وقال:
يا ساق لن تراعى. ... انّ معى ذراعى.
أحمى بها كراعى «2»
فقتله واتكأ عليه، فقيل، من قاتلك؟ قال: وسادتى.
وأما أسخى الناس: فعبد الله بن سوار، استعمله معاوية على السند، فرحل اليها فى أربعة آلاف لا يوقد مع ناره نار، فرأى ذات يوم نارا فى معسكره، فأنكرها، فقال صاحبها: اعتل بعضنا واشتهى الخبيص، «3» فاتخذناه له، فأمر الا يطعم الناس الا الخبيص حتى ضجوا، فردهم الى الخبز واللحم.
وأما أسود «4» الناس وأطوعهم فى قومه: فالجارود بن بشر، قبض رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- فارتدت العرب، ومنعت الصدقات، فقال لقومه ان كان الله قبض رسوله فهو حى لا يموت، فتمسكوا بدينكم، فمن ذهب له شىء فعلى مثلاه، فما خالفه أحد.
وأما أحضر الناس جوابا وأشدهم انتصافا: فصعصعة بن صوحان وفد على معاوية فى وفد العراق. فقال: مرحبا بكم قدمتم البلاد المقدسة، وأرض المحشر والمنشر، والانبياء والرسل، والعلم والحلم، إن أبا سفيان لو ولد الناس جميعا لكانوا حلماء علماء عقلاء.
فقال صعصعة: ليس الناس تقدسهم البلاد ولكن تقدسهم أعمالهم، ولن يضر مؤمنا بعد المحشر، ولن ينفع كافرا قرب المنشر، ومن سكنها من الجبابرة والفراعنة أكثر، وأما قولك: إن أبا سفيان لو ولد الناس جميعا لكانوا حلماء علماء عقلاء: فقد ولدهم خير من أبى سفيان- آدم عليه السلام- فمنهم السفيه والحليم والاحمق والكيس، فقال معاوية، أتردن على؟
لا شردنك فى البلاد، ولا جفينك «1» عن الوساد. قال: أجد فى الأرض سعة، وفى فراقك دعة. «2» فقال: قد كنت أبغض أن أراك خطيبا، قال: وأنا والله أبغض أن أراك أميرا.
وأما أحلم الناس: فالاشج العبدى، فان وفد عبد القيس وردوا على رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- ومعهم صدقاتهم، وفيهم الاشج. وكان أول عطاء ارتزقه رسول الله من ذلك المال. فقال: يا أشج فيك خصلتان، الحلم والاناة، «3» وكفى برسول الله شهيدا.
قالوا: ولم يغضب الاشج قط، وكان ينبغى أن يورد هذا الخبر فى الباب الثالث، فأغفلناه حتى أوردناه فى هذا الموضوع.












مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید