المنشورات
أول من بايع لولده معاوية وأشار عليه المغيرة بن شعبة
أخبرنا أبو القاسم عن العقدى عن أبى جعفر عن المدائنى عن الهيثم عن عدى عن الشعبى قال: كتب المغيرة بن شعبة الى معاوية حين كبر وخاف العزل، فكتب اليه معاوية، أما ما ذكرت من كبر سنك، فأنت أكملت عمرك، وأما ما ذكرت من اقتراب أجلك، فانى لو أستطيع دفع المنية لدفعتها عن آل أبى سفيان، وأما ما ذكرت من سفهاء قريش، فان حلماء قريش أنزلوك هذا المنزل، وأما ما ذكرت من العمل فصح رويدا تدرك الهيجاء جمل، فاستأذن معاوية فى القدوم فاذن له، فقال الربيع ابن هريم: فخرج المغيرة، وخرجنا معه إلى معاوية، فقال له: يا مغيرة! كبرت سنك، واقترب أجلك، ولم خرجنا معه الى معاوية، فقال له: يا مغيرة! كبرت سنك، واقترب أجلك، ولم يبق منك شئ، ولا أظننى الا مستبدلا بك، قال: فانصرف الينا، ونحن نعرف الكآبة فى وجهه، فقلنا ما يريد أن يصنع؟ قال: ستعلمون قال: فأتى معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، ان الانفس يغدى عليها ويراح، فلو نصبت لنا علما نصير اليه، مع أنى قد دعوت أهل العراق الى يزيد فركنوا اليه، حتى جاءنى كتابك، فقال: يا أبا محمد، انصرف الى عملك، فأحكم هذا الأمر لابن أخيك، فأقبلنا على اليزيد فركض، فقال: يا مغيرة! وضعت رجلك فى ركاب طويل، ألقى على أمة محمد، قال: فذاك الذى دعا الى البيعة ليزيد «1» .
أخبرنا أبو أحمد عن الجوهرى عن أبى زيد عن عبد الله بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعد عن أبيه قال: لما أراد معاوية ان يعقد البيعة ليزيد قال لاهل الشام:
أن أمير المؤمنين قد كبر، ودنا من أجله، فما ترون؟ وقد أردت أن أولى أمركم رجلا من بعدى، قالوا: عليك بعبد الرحمن بن خالد، فأضمرها، واشتكى عبد الرحمن بن خالد، فأمر ابن أثال طبيبا من عظماء الروم فسقاه شربة فمات، فبلغ معاوية موته، فقال: ما أنجد إلا من أنقص عنك من تكره، «1» وبلغ حديثه ابن أخيه خالد بن المهاجر، فورد دمشق مع مولى له، يقال له نافع: فقعد لابن أثال ليلا، فلما طلع منصرفا من عند معاوية شد عليه خالد، فضربه وقتله، فطلبهما معاوية فوجدهما، فقال لخالد: قتلته لعنك الله؟ قال: نعم، قتل المأمور وبقى الآمر، «2» ولو كنا على سواء ما تكلمت بهذا الكلام، فضرب معاوية نافعا مائة سوط، وقضى فى ابن أثال بالدية باثنى عشر الف درهم، وأدخل بيت المال منها ستة آلاف، فكانت دية المعاهد مثل ذلك، حتى قام عمر بن عبد العزيز، فأبطل الذى كان يأخذه السلطان منها، وقال خالد حين رجع الى المدينة:
قضى لابن سيف الله «3» بالحقّ سيفه ... وعرّى من جمل الدخول رواحله
فان كان حقّا فهو حقّ أصابه ... وان كان ظنّا فهو بالظّن فاعله
سل ابن أثال هل ثارت ابن خالد ... وهذا ابن جرموز فهل أنت قاتله
يقول لعروة بن الزبير، «4» وقال كعب بن جعيل يرثى عبد الرحمن:
ألا تبكى وما ظلمت قريش ... بأعوال البكاء على فتاها
ولو سئلت دمشق وأرض حمص ... وبصرى من أباح لكم قراها
فسيف الله أدخلها المنايا ... وهدّم حصنها وحمى حماها
فأسكنها معاوية بن حرب ... وكانت أرضه أرضا سواها
أخبرنا أبو أحمد عن الجوهرى عن أبى زيد عن سعيد بن عامر عن جورية ابن أسماء قال: لما أراد «1» لبيعة ليزيد كتب الى مروان وهو على المدينة فقرأ كتابه على الناس فقال: ان أمير المؤمنين قد كبر سنه، ورق عظمه، وخاف أن يأتيه أمر الله، فيدع الناس حيارى كالغنم، لا راعى لها، فأحب أن يعلم علما، ويقيم إماما بعده، فقيل: وفق الله أمير المؤمنين وسدده فليفعل، فكتب مروان اليه بذلك، فكتب، ان سم يزيد، فسماه، فقال عبد الرحمن بن أبى بكر، كذبت والله وكذب معاوية، لا يكون ذلك أبدا، أشبه الروم؟ كلما مات هرقل، قام هرقل، «2» فقال مروان: هذا الذى قال الله فيه: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما
«3» الآية فأنكرت عائشة عليه ذلك، وكتب مروان الى معاوية بذلك، فأقبل، فلما دنا من المدينة استقبله أهلها، فيهم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، والحسين بن على، (رضى الله عنهم) وعبد الرحمن بن أبى بكر، فلما رآهم سبهم واحدا واحدا، «4» ودخل المدينة،وخرج هؤلاء الرهط، «1» معتمرين، ثم خرج معاوية حاجا، فاستقبلوه، فلما دخلوا عليه رحب بهم والطفهم، ثم أرسل اليهم يوما، فقالوا لابن الزبير: أنت صاحبه فكلمه، فلما دخلوا عليه دعاهم الى بيعة يزيد، فسكتوا، فقال:
أجيبوني، فقال ابن الزبير: اختر خصلة من ثلاث: اما أن تفعل فعل رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- فلا تستخلف، او فعل أبى بكر نظر الى رجل من أعراض «2» قريش، أو فعل عمر جعلها شورى فى ستة فقال: ألا تعلمون أنى كنت قد عودتكم من نفسى عادة أكره ان أمنعكم إياها حتى أبين لكم؟ انى كنت أتكلم بالكلام فتعرضون فيه، وتردون على، وإياكم ان تعودوا، وانى قائم فقائل مقالا لا يعارضنى فيه أحد منكم الا ضربت عنقه.
ثم وكل بكل واحد منهم رجلين، وقام خطيبا فقال: ان عبد الله بن عمر وابن الزبير والحسين بن على وعبد الرحمن بن أبى بكر قد بايعوا، فبايعوا، فابتدر الناس يبايعون حتى اذا فرغ ركب نجائبه، «3» ومضى الى الشام، وأقبل الناس على هؤلاء يلومونهم، فقالوا: والله ما بايعنا ولكن فعل بنا ما فعل، هذا معنى الحديث.
أخبرنا أبو أحمد عن الجوهرى عن أبى زيد قال: قدم معاوية حاجا فى عام واحد وخمسين، وأذن لمروان وقال: أشر على فى أمر الحسين، قال:
أرى أن تخرجه معك فتقطعه عن أهل العراق، وتقطعهم عنه، قال: أردت والله أن تستريح منه، ونحمل مؤنته، على أن ينال منى ما ينال منك فان انتقمت قطعت رحمه «4» وان صبرت صبرت على أذاه، ثم أذن لسعيد بن العاص،فقال: أشر على فى أمر الحسين قال: أرى أنك لا تخافه على نفسك، وانما تخافه على من بعدك، وأنت تدع له قرينا ان قاتله قتله، وان ماكره ماكره، فاترك حسينا بمنبت النخلة، يشرب من الماء، ويذهب فى الهواء، لا يبلغ عنان السماء، «1» قال: أصبت.
لأخبرنكم عنى يا بنى أمية: لن يبرح هذا الأمر فيكم ما عظمتم ملوككم، فاذا تمناها كل امرىء منكم لنفسه وثب بنو عبد المطلب فى أقطارها، «2» وقال الناس: آل رسول الله- صلّى الله عليه وسلم-، فكانت الخلافة فيكم كحجر المنجنيق «3» يذهب أمامه، ولا يرجع وراءه.
مصادر و المراجع :
١- الأوائل
المؤلف: أبو هلال
الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)
الناشر: دار
البشير، طنطا
الطبعة: الأولى،
1408 هـ
12 يوليو 2024
تعليقات (0)