المنشورات

أول من زاد فى الكتاب بعد حمد الله الصلاة على رسول الله هارون الرشيد

كان اذا كتب فأتى أحمد الله اليك كتب: وأسأله أن يصلى على محمد وآله، قالوا: وكان ذلك من أفضل مناقبه، وكان الرشيد كاتبا شاعرا، خطيبا أخبرنا أبو أحمد عن أبيه عن عسل قال: كانت على الروم امرأة منهم، وكانت تلاطف الرشيد، ولها ابن صغير، فلما نشأ فوضت الأمر اليه، فعاث وأفسد وخاشن الرشيد، فخافت على ملك الروم فقتلته، فغضب الروم، فخرج عليها نقفور فقتلها، واستولى على الملك، وكتب الى الرشيد: اما بعد فان هذه وضعتك موضع الشاه، ووضعت نفسها موضع الرخ، «1» وينبغى ان تعلم انى أنا الشاه وانت الرخ، فأد الى ما كانت المرأة تؤدى اليك، فلما قرأ الكتاب قال للكتاب اجيبوا عنه، فأتوا بما لم يرتضه، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله هارون أمير المؤمنين الى نقفور كلب الروم. اما بعد: فقد فهمت كتابك، والجواب ما تراه لا ما تسمعه، والسلام على من اتبع الهدى.
ثم خرج فى جمع لا يسمع مثله، فتوغل فى بلاد الروم، يقتل ويسبى ثم أوقد نقفور فى طريقه نارا ليصده بها، فخاضها محمد بن يزيد الشيبانى، وتبعه الناس حتى صاروا من ورائها، فرأى نقفور أنه لا قبل له به، فصالحه على الجزية يؤديها عن رأسه، وعن سائر أهل مملكته، فقال أبو العتاهية:
امام الهدى اصبحت بالدّين معنيّا ... واصبحت تسقى كلّ مستمطر ريّا
قضى الله ان صفّى لهارون ملكه ... وكان قضاء الله فى الخلق مقضيّا
تحلّبت الدّنيا لهارون بالرّضا ... وأصبح نقفور لهارون ذمّيّا
فلما سقط الثلج أمن نقفور على نفسه فنقض العهد، فلم يجرؤ أحد أن يذكر ذلك للرشيد الا شاعر من أهل جده، أعطاه يحيى بن خالد مائة ألف درهم، ودخل عليه وأنشده.
نقض الّذى اعطيته نقفور ... فعليه دائرة البوار تدور
أبشر امير المؤمنين فانّه ... فتح أتاك من الاله كبير
فلقد تباشرت الرّعيّة اذ أتى ... بالنّقض منه وافد وبشير
اعطاه جزيته وطأطأ خدّه ... حذر الصّوارم والرّدى «1» محذور
انّ الإمام على اقتسارك «2» قادر ... قربت ديارك أو نات بك دور
فقال الرشيد: أو فعلها؟ ورحل فى بقية الثلج، وأقام على هرقلة يرمى حصنها بالنيران حتى افتتحها، فقال بعضهم:
هوت هر قلة لمّا أن رأت عجبا ... جواثما ترتمى بالنّفط والقار «3»
كأنّ نيراننا فى جنب قلعتهم ... مصقّلات على أرسان قصّار «4»
فعاد نقفور الى الجزية، ورجع الرشيد.
وأما ما جاء فى خطابته: فأخبرنا احمد عن الصوالى عن الحسين بن يحيى عن محمد بن عمرو الدومى قال: كان الرشيد ربما خطب مرتجلا من غير ان يعد كلاما، فصعد يوما المنبر، وقد شغب الجند، ثم سكنوا بعد ايقاع بهم، فقال: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد والملائكة المقربين، وعلى الانبياء أجمعين، أما بعد: فقد كان لكم ذنب، ولنا عتب، وكان منكم إجرام، ومنا انتقام وعندى بعد هذا لكم التنفيس عن المكروبين، والتفريج عن المغمومين، والاحسان الى المحسنين، والتعمد لاساءة المسيئين، الا يكفر لكم بلاء، «1» ولا يحبس عنكم عطاء، وعلى بعد ذلك الوفاء ان شاء الله.
وأما الشعر فطبقته فيه عالية، أنشدنا أبو احمد عن الصولى للرشيد.
واذا نظرت الى محاسنها ... فبكلّ موضع نظرة نبل
وتنال منك بحدّ مقلتها ... مالا ينال بحدّه النّصل «2»
شغلتك وهى لكلّ ذى بصر ... لاقى محاسن وجهها شغل
فلقلبها حلم يباعدها ... عن ذى الهوى ولطرفها جهل
ولوجهها من وجهها قمر ... ولعينها من عينها كحل
وقل ما تسمع شعرا يشبه هذا الشعر.















مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید