المنشورات
أول من أخر النيروز المتوكل
أخبرنا أبو أحمد الصولى عن يحيى بن على عن أبيه واحمد ابن يزيد عن أبيه قال: وسمعت ابراهيم بن المدبر يحدث بطرف منه قال: بينا المتوكل يطوف فى متصيد له، رأى زرعا أخضر فقال: قد استأذننى عبد الله بن يحيى فى فتح الخراج، وأرى الزرع أخضر، فقيل له: أن هذا قد أضر بالناس، فهم يقترضون ويستسلفون، فقال: أهذا شىء حدث أم هو لم يزل كذا؟ فقيل له:
هو حادث.
ثم عرف ان الشمس تقطع الفلك فى ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم، وان الروم تكبس فى كل أربع سنين يوما، فيطرحون من العدد، فيجعلون شباط ثلاث سنين متواليات ثمانية وعشرين يوما، وفى السنة الرابعة- وهى التى تسمى الكبيسة- يكمل من ذلك الربع يوم تام، فيصير شباط تسعة وعشرين يوما. وكانت الفرس تكبس الفصل الذى بين سنتها وبين سنة الشمس فى كل مائة وست عشرة سنة شهرا، وهذا الكبس فى طوله أصح من كبس الروم، لأنه أقرب إلى ما يحصله الحساب من الفصل فى سنة الشمس.
فلما جاء الاسلام عطل ذلك ولم يعمل به. فأضر بالناس ذلك، وجاء زمن هشام، فاجتمع الدهاقنة «3» الى خالد بن عبد الله القسرى، فشرحوا له، وسألوه ان يؤخر النيروز شهرا، فكتب الى هشام بن عبد الملك- وهو الخليفة- فقال هشام: أخاف أن يكون ذلك من قول الله تعالى إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ
«1» فلما كان أيام الرشيد، اجتمعوا الى يحيى بن خالد البرمكى وسألوه أن يؤخر النيروز نحو شهر، فعزم على ذلك، فتكلم اعداؤه فيه، وقالوا: يتعصب للمجوسية، فأضرب عنه، وبقى على ذلك الى اليوم.
وأحضر المتوكل ابراهيم بن العباس، وأمره أن يكتب عنه كتابا فى تأخير النيروز بعد أن يحسبوا الايام، فوقع العزم على تأخيره الى سبعة وعشرين يوما من حزيران، فكتب الكتاب على ذلك، وهو كتاب مشهور فى رسائل ابراهيم.
وانما احتذى المتوكل بالله ما فعله المتوكل الا أنه قد قصره فى أحد عشر يوما من حزيران، فقال البحترى يمدح المتوكل ويذكر تأخير النيروز:
لك فى المجد أوّل وأخير ... ومساع صغيرهنّ كبير
انّ يوم النّيروز عاد الى العهد ... الذّى كان سنّه أردشير
انت حوّلته الى الحالة الأولى وقد كان حائرا يستدير وافتتحت الخراج فيه فللأمّة فى ذاك مشهد مذكور قال احمد بن يحيى البلاذرى: حضرت مجلس المتوكل وابراهيم ابن العباس يقرأ الكتاب الذى انشأه فى تأخير النيروز، والمتوكل يعجب من حسن عبارته، ولطف معانيه، والجماعة تشهد له بذلك، فدخلتنى نفاسة، «2» فقلت: يا أمير المؤمنين، فى هذا الكتاب خطأ، فأعادوا النظر، فقالوا: ما نراه، فما هو؟ فقلت: أرخ السنة الفارسية بالليالى، والعجم تؤرخ بالايام، واليوم عندهم اربعة وعشرون ساعة، يشتمل على الليل والنهار، وهو جزء من ثلاثين جزءا من الشهر، والعرب تؤرخ بالليل لان سنتهم وشهورهم قمرية، وابتداء رؤية الاهلة بالليل، قال: فشهدوا بصحة ما قلت، واعترف به ابراهيم، وقال: ليس هذا من علمى، فخف عنى ما دخلنى من النفاسة.
ثم قتل المتوكل قبل دخول السنة الجديدة، وولى المنتصر واحتيج الى المال، وطولب به الناس على الرسم الاول، وانتقض ما رسمه المتوكل، فلم يعمل به حتى ولى المعتضد، فقال ليحيى بن على المنجم: قد كثر ضجيج الناس من أمر الخراج، فكيف جعلت الفرس مع حكمتها، وحسن سيرتها، افتتاح الخراج فى وقت لا يتمكن الناس من أداء الخراج فيه، قال: فشرحت له أمره وقلت: ينبغى أن يرد الى وقته، ويلزم يوما من أيام الروم، ولا يقع منه تغيير، فقال: الق عبد الله بن سليمان، فوافقه على ذلك، فوافقه وحسبنا حسابه، فوقع فى اليوم الحادى عشر من حزيران، فأحكم أمره على ذلك، وأثبت فى الدواوين، وكان النيروز الفارسى فى وقت نقل المعتضد له يوم الجمعة لاحدى عشرة ليلة خلت من صفر سنة اثنتين وثمانين ومائتين. ومن شهور الروم الحادى عشر من نيسان، وأخره حسب ما أوجبه الكبس ستين يوما حتى رجع الى وقته الذى كانت الفرس ترده اليه. وكان قد مضى لذلك مائتان واثنتان وثلاثون سنة فارسية، تكون من سنى العرب مائتين وتسعا وثلاثين سنة وبضعة عشر يوما، ووقع بعد التأخير يوم الاربعاء لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين ومائتين ومن شهور الروم الحادى عشر من حزيران.
مصادر و المراجع :
١- الأوائل
المؤلف: أبو هلال
الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)
الناشر: دار
البشير، طنطا
الطبعة: الأولى،
1408 هـ
12 يوليو 2024
تعليقات (0)