المنشورات

أول الأمراء على مصر

أخبرنا أبو القاسم عن العقدى عن أبى جعفر عن المدائنى عن عمرو بن هشام القرشى ومحمد بن عمرو بن شعيب عن أبيه، وعن غير هؤلاء قالوا: كتب عمر- رضى الله عنه- الى عمرو بن العاص، سنة تسع عشرة، يأمره بالمسير الى مصر، فأتاه الكتاب وهو محاصر قيسارية «1» فسار فى شعبان، فى ثلاثة آلاف وسبعمائة، حتى نزل العواصم، فقال رجل من القبط:
عجبت لهؤلاء، يدخلون مصر فى هذه العدة وهذا العدد، وبها عساكر يتبعها عساكر، فقال صاحب له: لا يقصد هؤلاء أحدا الا قتلوه، ولا ينزلون حصنا الا فتحوه، حتى يقتلوا خيرهم، فاذا فعلوا ذلك، اختلفوا وضعف أمرهم، وسار عمرو حتى أتى غزة، «2» فبعث ملكها: أن أرسل الى رجلا من أصحابك أكلمه، فقال عمرو: ما له أحد غيرى، فدخل المدينة، فسمع منه كلاما لم يكن بمثله له عهد، فقال: هل فى أصحابك مثلك؟ قال: لا تسأل عن هوانى عليهم، وانما بعثونى اليك وقالوا: لو نزل به حاذرا «3» كان نزل بأهوننا، فأمر له بجائزة وكسوة وبعث الى البواب، اذا مر بك فاضرب عنقه، وخذ ما معه، فلما خرج لقيه نصرانى من غسان، فقال له: يا عمرو قد أحسنت الدخول، فأحسن الخروج، فنبهه، فرجع الى الملك، فقال: قد نظرت الى ما أعطيتنى فوجدته لا يسع بنى عمى، فأردت ان أجيئك بعشرة منهم تعطيهم هذه العطية، وتكسوهم هذه الكسوة، فيكون معروفك عند عشرة، فقال: مرحبا بهم، عجل بهم، وبعث الى البواب ان خل سبيله، فمر عمرو يتلفت حتى أمن، وندم على ما فعل ولم يفارقه حتى صالحه، فلما أتى به الى عمرو قال: وأنت هو؟ قال: نعم، على ما كان من غدرك.
وسار حتى أتى فسطاط «1» - وقد خندق أهلها- فأقام عليهم، وقدم الزبير بن العوام فى خمسة آلاف، وقال: جئت أميرا على الجماعة. فقال عمرو بن العاص: بل جئت مددا، ثم اتفقا أن يكون كل واحد منهما أميرا على أصحابه، وخرج المشركون فهزمهم المسلمون، ودخلوا حصنهم فحاصروهم، وقال الزبير: ما نطاول «2» قوما فى ديارهم، يأتيهم أمدادهم، ووضع سلما على الحصن وصعد، وصعد الناس ففتحوه عنوه. «3»
وقيل بل فتحوه صلحا على كل رأس دينار، ولكل رجل من المسلمين جبة صوف، وبرنس «4» وعمامة وخفان، ولهم الاتباع نساؤهم وأولادهم، وذلك سنة عشرين، فأقام عمرو بها أميرا أربع سنين، ثم اجتمع العدو بين مصر والاسكندرية، فسار اليهم عمرو فى عشرة آلاف، على مقدمته شريك بن سحماء فى ألفين فانهزم الاعداء ودخلوا الاسكندرية، فحاصروها ثلاثة أشهر، فكادوه، «5» فأقاموا النساء على الحصن، ناشرات شعورهن، ووجوههن الى المدينة، عليهن السلاح، والرجال مقبلون عليه يقاتلونه، يخوفونه بكثرة العدد، فناداهم عمرو فقال:
ان كان فيكم رجل مستجاب الدعوة، فسلوه ان يدعو الله تعالى ان يسلطكم علينا فتقتلونا، فإن الآخرة خير لنا من الدنيا.
فتعجبوا وقالوا: من يطيق قوما راحتهم عندهم القتل؟ وقالوا ليس لنا الا أن نصالحهم على ثلاثة عشر ألف دينار،- على كل حالم دينار- وقيل:
ديناران، على ان يخرج منهم من شاء الى الروم، ويقيم من شاء منهم بالاسكندرية.















مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید