المنشورات

أول أمير أخذ ما جبى وهرب

أخبرنا أبو القاسم عن العقدى عن أبى جعفر عن المدائنى قال: جبى ابن عباس- وهو وال لعلى (رضى الله عنهما) على البصرة- مالا كثيرا، فقال له أبو الاسود: ان أعطيت من قبلك حقوقهم، وحملت الباقى إلى أمير المؤمنين ليستعين به على أمور المسلمين، فقال: لو كنت يا أبا الاسود من البهائم لكنت جملا، ولو كنت راعيا ما بلغت به المرعى، وما أحسنت مهنته فى المساء، فكتب أبو الاسود الى على- عليه السلام- بذلك، فوجه على مولاه سعدا الى ابن عباس يأمره بحمل المال اليه، فشتمه ابن عباس وتهدده، فخرج حتى أتى عليا، فأخبره فكتب اليه يلومه ويعنفه، وكتب هو يعذر نفسه، ويلزم الذنب سعدا، ثم عمد الى المال، وكان أربعمائة ألف، وقيل سبعة آلاف ألف، «1» واحتمله وخرج، وخرج معه عشرون رجلا من قيس، فجعل يعطى فى طريقه كل من يسأله، حتى أتى مكة فأعطى ما كان معه، واحتجز الباقى.
وكتب اليه على- عليه السلام- إنى أشركتك فى أمانتى، ولم يكن أحد من أهل بيتى أوثق عندى ولا أرجى لمواساتى منك، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، «2» والعدو قد حرب، «3» والأمة فتنت، قلبت ظهر المجن، «4» وخذلتنى فلا إمامك آسيت، «1» ولا للامانة أديت، كأنك لم ترد بعملك الله، وكأنك كنت تكيد «2» الأمه عن دنياها، فلما أمكنتك الفرصة، عاجلتهم الشدة، فاختطفت ما قدرت عليه اختطاف الذئب دانية المعزى، «3» رحيب الصدر تحملها غير متحرج عن أخذها، كأنك حزت تراثك «4» من أبيك وأمك، واتخذت مكة دارا تشترى بها مولدات الطائف، تختارهن على دينك، تعطى فيهن مال غيرك، سبحان الله! أما تؤمن بيوم الحساب؟ او ما تخاف الميعاد؟ او ما يعظم عندك ان تشترى الاماء، وتنكح النساء، بمال اليتيم والأرملة «5» والمسكين؟
فأقسم بالله! ما أحب ان ما أصبت كان لى حلالا أنفقه فى سبيل الله لا أحاسب به يوم القيامة، فلا غرو «6» لأكلك له حراما، فاردد ما أخذت، فو الله لو لم تردده ثم أمكننى الله منك لأعذرن الله فيك، فلو أن حسنا أو حسينا أتيا مثل الذى أتيت، ما كان لهما عندى هوادة «7» ولا ظفرا فيه منى برخصة، انتهى.
فكتب اليه ابن عباس: بلغنى كتابك تعظم فيه ما أخذت من المال، ولعمرى لحقى فيه أكثر مما أخذت.
فقال على- عليه السلام- العجب ممن يرى أن له من مال المسلمين أكثر مما لرجل منهم، قد أفلحت ان كان يمينك الباطل، وادعاؤك مالا يكون لك يخرجك من الاثم، ويحل لك الحرام، عمرك «1» الله إنك اذا لانت السعيد.
وبإسناده قال: ولى على- عليه السلام- عبد الله بن سوار ابن همام العبدى، البحرين، فجبى مالا وهرب، وكتب اليه على يتهدده، فكتب اليه ابن سوار بشعر، قاله بكير بن وائل الطامى من الازد:
ما إن نبالى اذا ما كنت جنّتنا ... ان نشرط المال شرط الماء بالعسل «2»
وأنت بحر على قوم تخافهم ... وصخرة فى الأدانى ماؤها وشل «3»













مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید