المنشورات

أول من وضع الكسور والتوابع على أهل الخراج زياد

أخبرنا أبو أحمد عن الصولى قال: حكى محمد بن داود بن الجراح عن عبد الله بن سليمان قال: انى لأقف على رأس المهتدى وقد جلس للمظالم، وبحضرته القواد والكتاب، فرفع اليه فى قصة الكسور، فقال لأبى. عرفنى حالها، فقال:
كان عمر- رضى الله عنه- قسط الخراج ورقا «1» وعينا والدراهم تؤدى فيه عددا، ففسد الناس، فكانوا يؤدون الضريبة ووزن الدرهم فيها أربعة دوانق، ويستبدون بالوافى، ووزنه مثقال. «2»
فلما ولى زياد العراق، طلب بأداء الوافى، فشق ذلك على الناس، وكان يلزم فى حمل المال مؤونة، فألزمها أصحاب الخراج، وزادت فى ذلك عمال بنى أمية زيادة أجحفت بالناس، فلما ملك عبد الملك قرر وزن الدرهم على نصف وخمس مثقال، وترك المثقال على حاله، ثم ألزم الحجاج وعماله الناس الوظائف، وهدايا النوروز والمهرجان، فجرى الرسم به حتى ولى عمر بن عبد العزيز، فأمر باسقاط ذلك كله، واجراء الناس على رسم عبد الملك، فلما ولى يزيد بن عبد الملك بعد عمر، رد الأمر على ما كان عليه، وجرى الامر على ذلك الى أيام المنصور، فخرب السواد، فأزال المنصور الخراج عن الحنطة والشعير، وصيرهما مقاسمة، وترك غيرهما على رسمه.
وحدث بعد ذلك أشياء لزمت عليها مؤنة، فزيدت على المال، فقال المهتدى: معاذ الله ان ألزم الناس ظلما تقدم العمل به وتأخر، وحق ما حمل من بيت من الاموال أن ينفق عليها منها، وتقدم باسقاط الكسور والتوابع على الناس، فقال الحسن بن مخلد: ان أسقط أمير المؤمنين ذلك، ذهب من مال السلطان عشرة آلاف ألف درهم، ومد بها صوته.
فقال المهتدى: قد عرفت مذهبك فى هذا القول، تريد تحريض الموالى بما انتقص من أموالهم، وما أمتنع ان أقيم حقا لله، وأزيل مظلمة قد تقدمت بها الأيام، وإن كان فى ذلك كل حيف على بيت المال، ولو نظر الموالى فى أمرك وأمر نظرائك، أخذوا ما خوفتهم أن يذهب من مالهم منك، فارتعد الحسن وأبلس، «1» ثم كلم فيه المهدى فوضع له. هذا معنى الحديث.
اول من رسم هدايا النيروز والمهرجان الحجاج، واول من رفع ذلك عمر ابن عبد العزيز، وأول من رسم المقاسمة «2» المنصور، وأول من رقع الثياب، ولبس الخفاف الساذجة «3» بالبصرة من الامراء، زياد وهو أول من دعا النقرى، وكانوا يدعون الجفلى، قال أبو هلال: أيده الله- الجفلى أن يدعو الإنسان الى طعامه جميع الحى، والنقرى ان يخص قوما دون قوم قال طرفة:
نحن فى المشتاة ندعو الجفلى ... لا ترى الآدب فينا ينتقر
والآدب الذى يدعو الناس الى طعامه، والمأدبة الدعوة. قال الزناد «4» لعجلان! كيف تدعو الناس؟ قال: على الشرف. ثم على الأسنان، ثم أدعو الذين لا يعبأ الله بهم شيئا قال: ومن هم؟ قال الذين يلبسون ثياب الصيف فى الشتاء، وثياب الشتاء فى الصيف، فقال: هذا هزل ولو تقدمت اليك فيه لأدبتك. 
وأما ترقيعه الثياب فقال: ما بال الرجل يأخذ عطاءه ألفين فلا يبلغ الحول حتى يدان أكثر من ذلك؟ فقيل له: ذهب أموال الناس فى الكسوة. فصدر «1» قميصه وجلس فيه، فصدر الناس ثيابهم، وكان الرجل حين ينشق ثوبه يلقيه، فاتخذ الزياديه ولبسها، فلبسها الناس معه، وكان الناس يتكلفون للعيد مراكب يركبونها، فمشى الى العيد ومشى الناس معه، والناس يقتدون برؤسائهم فى أكثر أمورهم، حتى يسمون بأسمائهم، ويكتنون بكناهم، ويفعلون ما يقدرون عليه من أفعالهم.
وكان زياد يرقع ثوبه لئلا يستحى غيره من ترقيع ثوبه، ولا يحمل على نفسه فى استثرائه واستجادته، وكان يعطى الكثير وربما أعطى القليل، لئلا يأنف المسئول عن تقليل العطية عند تعذر الامكان، ولا يقع حجة السائل عن المسئول اذا أعطاه قليلا. وسأله رجل فأعطاه درهما، فقال: أصلح الله الامير- صاحب العراق، وخليفة أمير المؤمنين يعطى درهما؟ فقال: نعم ان من بيده خزائن السموات والارض ربما رزق أخص عبيده، وأقربهم منه وسيلة، التمرة واللقمة فما يكبر عندى أن أصل رجلا من اخوانى ثمانية آلاف درهم، ولا يصغر عندى أن أطعم سائلا رغيفا، اذا كان الجواد الكريم، أرحم الراحمين. يفعل ذلك.
وهو أول من اتخذ الذراع التى تذرع بها الارضون هكذا قالوا:
وأخبرنا أبو القاسم باسناده عن المدائنى عن أبى عمرو العمرى عن أبى عبد الرحمن البعلى عن أبى ليلى عن الحكم عن عمر أنه كتب الى عثمان بن حنيف بمساحة السواد، فمسحها بذراع كانت ذراعا وقبضة، فقام الابهام شيئا يسيرا، فهى بين المنتصب والمنضجع.
وقال جعفر بن مهلهل: جعل عبيد الله بن عبيد الله بن معمر لاهل البصرة ذراعا يذرعون بها الدور، من أطول ذراع وجدها الرجل وأقصر ذراع وجدها الآخر. اما الذراع التى يذرع بها الارضون، فان زيادا وضعها فلما قدم سليمان بن على زاد فيها وسماها الهاشمية، فبقيت الى اليوم، وكانت تسمى الزيادية، وقيل: ان ذراع أيام عمر كانت ذراعا وقبضة الابهام منتصبة، وقالوا: انه نظر الى ثلاثة نفر من أطول من يعلمه ذراعا وأوسطه وأقصره فجمعها فأخذ ثلثها، فبعث به الى الكوفة، وأمر سعدا حين كوف الكوفة ان يجعل سككها خمسين ذراعا بذلك.














مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید