المنشورات

أول من اتخذ المحامل

أخبرنا أبو أحمد عن الجوهرى عن أبى زيد عن أحمد بن معاوية وعن المدائنى وأخبرنا عن غير هؤلاء قال: أول من ركب المحامل الحجاج، وكان المحمل صغيرا مثل محمل اللبن، فرآها رجل يقال له ضب فقال:
كيف نراها بالفجاج تنهض ... بالغيد ليلا والحداة تقبض «2»
حرض عليهنّ السّقيف النغّض ... والخشب الماسور والمعرّض «1»
فيها علوج كالحمير ربّض ... ذاك وان قيل الفداء أعرضوا «2»
وقال الشاعر:
أخزى مليك النّاس خزيا عاجلا ... أوّل عبد أحدث المحاملا
عبد ثقيف كان أزلا آزلا وكان مكحول يقول: ان فى المحامل نعمة.
وهو اول من أجرى فى البحر السفن المقيرة، «3» غير المحذورة- المدهونة- والمسطحة- غير ذات المناحى- وهو اول من نقش على يد كل رجل اسم قريته، ورده اليها وأخرج الموالى «4» من بين العرب فقال الراجز:
جارية لم تدر ما سوق الابل ... أخرجها الحجاج من كنّ وظل «5»
لو كان بدر حاضرا وابن جمل ... ما نقشت كفّاك فى جلد حمل
وقال آخر لنوح بن دراج حين استقضى على الكوفة.
يأيّها النّاس قد قامت قيامتكم ... اذ صار قاضيكم نوح بن درّاج
لو كان حيّا له الحجّاج ما سلمت ... كفّاه ناجية من نقش حجّاج
وكان الذى دعاه الى ذلك ان أكثر القراء والفقهاء كانوا من الموالى، وكانوا جل من خرج عليه مع ابن الاشعث، فاراد أن يزيلهم من موضع الفصاحة والادب، ويخلطهم بأهل القرى فيخمل ذكرهم، وكان سعيد بن جبير منهم- كان عبد رجل من بنى أسد اشتراه من ابن العاص فأعتقه- فلما أتى به الحجاج قال: يا شقى بن كسير، «1» أما قدمت الكوفة، وليس بها عربى؟ واستقضيت أبا بردة بن موسى، وامرته ألا يقطع أمرا دونك؟ وجعلتك فى سمارى «2» وكلهم من رؤوس العرب؟ وأعطيتك ألف ألف درهم تفرقها فى أهل الحاجة لم أسألك عن شىء منها؟ قال: بلى. قال: فما أخرجك على؟
قال: بيعة لابن الاشعث كانت فى عنقى. فغضب وقال: أفما كانت بيعة أمير المؤمنين فى عنقك من قبل؟ والله لاقتلنك! قال: انى اذا كما سميت سعيد، دعنى أصلى ركعتين، قال: ولوه الى قبلة النصارى، قال سعيد: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ
«3» ثم بطح على الارض، فقال: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ
«4» ومدت عنقه فضربت، فاختلط عقل الحجاج فى الحال، فقال: قيدونا، فظنوا أنه يريد القيود التى فى رجل سعيد، فقطعوا ساقيه، وأخرجوا القيود، وما زال الحجاج مختلط العقل حتى مات بعد أيام قلائل، وما قتل بعده أحدا، وقالوا عناه جرير بقوله:
يا ربّ ناكث بيعتين تركته ... وخضاب لحيته دمّ الأوداج «1»
وكان الحجاج اذا نام رأى سعيدا متعلقا بثوبه، ويقول له:
يا عدو الله، فينتبه، ويقول ... مالى ولسعيد بن جبير
وكان لسعيد يوم قتل، سبع وأربعون سنة، وقيل خمس وأربعون.
والحجاج أول من حمل الثلج، وأول من أطعم على ألف مائدة على كل مائدة عشرة رجال. وعليها جنب شواء وثريدة «2» وسمكة وبرنية «3» فيها عسل، وكان يقول للناس رسولى اليكم الشمس فاذا زالت فاغدوا لغدائكم، واذا جنحت «4» فروحوا لعشائكم وكان لا يطعم الا شاميا، وهو أول من أجاز بألف ألف درهم، أجاز الجحاف السلمى فيما حمل من دماء بنى تغلب، وهو أول من قعد على سرير فى حرب، وروى أن مصعبا كان يقاتل أهل الشام ومعه سبعة، وكان يكر عليهم فينفرجون عنه. فيجلس على مرفقة «5» فيروحون اليه. فيعود اليهم فيتفرقون عنه، فيجىء ويجلس على المرفقة، فما زال ذلك دأبه حتى زرقه زائدة فصرع.
ومن كلام الحجاج وهو من أوائل المعانى، ما أخبرنا به أبو أحمد عن الجوهرى عن أبى زيد عن أحمد بن معاوية عن محمد بن حرب عن الشعبى قال: صعد الحجاج المنبر، فتكلم بكلام لم أسمعه من أحد قبله ولا بعده، قال: أيها الناس كتب الله على الدنيا الفناء، فلا بقاء لما كتب الله عليه الفناء، وكتب على الآخرة البقاء، فلا فناء لما كتب الله عليه البقاء، فلا يغرنكم شاهد الدنيا عن غائب الآخرة، وأقصروا الأمل لقصر الاجل، وقال: رأيت الصبر عن محارم الله، أيسر من الصبر على عذاب الله، وقال يوما: لولا اهوال يوم القيامة لكان يوما نزها «1»













مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید