المنشورات

أول من عبر نهر بلخ سعيد بن عثمان بن عفان

أخبرنا أبو القاسم باسناده عن أبى الحسن قال: قدم سعيد ابن عثمان- وأمه أم عبد الله بن عمرو بن مخزوم- وافدا على معاوية. فسأله ان يوليه العراق، فأبى، وغضب سعيد ونهض، فلما كان من الغد. صلى الغداة معه، فلما انفتل اخذ بطرف ثوبه وتمثل:
ثكلتك أمّك أىّ سيّد معشر ... يضع الكبير ولا يربّى صغيرا
فقال معاوية: أما والله لقد أخرجتها شنعاء عظيمة، تتبعها ضحكة لا يعرق لها جبينك، ودخل ودعا سعيدا، فسبقه الى الكلام فقال: أما والله لقد رقاك أبى، واصطنعك حتى بلغت الذى لا تجارى اليها، ولا تسامى فيها، فما شكرت بلاءه، ولا جازيت بآلائه، انك قدمت على هذا- يعنى يزيد- والله لانا خير منه أبا وأما ونفسا! قال معاوية: أما سالف بلاء أبيك فقد يحق على الجزاء به، وقد كان شكرى لذلك أنى طلبت بدمه حتى انكشفت الامور، ولست بلائم لنفسى فى التشمير، واما فضل أبيك على أبيه فلا ينكر، هو والله أفضل منى قدما، واقرب برسول الله- صلّى الله عليه وسلم- قرابة، وأما فضل أمك على أمه فلعمرى لا مرأة من قريش خير من أمرأة من كلب، وأما أنت وهو، فو الله لا أحب أن الغوطة «1» دحست- أى ملئت- ويقال: ملئت دحاس اذا كان مملوءا ناسا رجالا كلهم مثلك لى به، فقال يزيد: يا أمير المؤمنين ابن أختك، وله حق ورحم، وقد عتب فاعتبه، وسأل أمرا فسوغه «2» ، فولاه خراسان، فسار حتى قدم نيسابور، «3» وكان معه مالك بن الريز «4» فقال:
رأيت سنا نار بنيرين «5» أوقدت ... ورجلى بنيسابوريا بعد منظرى
ثم قطع النهر، وأول من قطعه من أصحابه رفيع أبو العالية، فقال سعيد:
رفعه وعلا، ثم أتى سمرقند، «6» وأقام عليها، وحلف لا يبرح حتى يدخلها، ويرمى القهندر، فخرج اليه أهلها ثلاثة أيام، فقاتلوه، فقال بعض أصحابه:
فباشر فى الحرب المنايا ولا ترى ... لمن لم يباشرها من الموت مهربا
أخو غمرات لا يروّع جاشه «7» ... اذا الموت ارتدى وتعصّبا
ففقئت عين المهلب بالطالقات، ثم لزم العدو المدينة فلم يخرجوا لقتاله، وطال مقامه، فدل على حصن فيه أبناء ملوكهم، فصار اليهم فحاصرهم، فخاف العدو أن ظفر بهم أن يقتلهم، فصالحوه على أن يدخل البلد، ويرمى القهندر، «8» وأعطوه رهناء، فدخل ورماه بحجر فدخل فى بعض كواته، فتطيروا منه، وقالوا: قد ثبت أمر العرب، ثم قفل حتى أتى مرو، ومعه الرهناء، وورد عليه سليمان ابن فتة فحجبه ولم يأذن له، وكان سعيد بخيلا، فهدده ابن فتة بالهجاء، فقال سعيد: يهجونى وأنا بن عثمان بن عفان؟ فقال: صدق. ان الناس جميعا ولد آدم، ذهبا وفضة ونحاسا، وهو من نحاس بنى آدم، وقال يهجوه:
سألت قريشا عن سعيد فأجمعوا ... عليه وقالوا معدن «1» اللّؤم والبخل
فقلت لنفسى حين أخبرت أنّه ... بخيل ألا ليس ابن عثمان من شكلى؟
وقالت لى النّفس اللّجوج طماعة ... أليس ابن عثمان بن عفّان ذا فضل؟
فقلت: بلى كم من كريم مهذّب ... سليل لئيم عاجز خامل الأصل
وكم من فتى كنّ اليدين مذمّم ... وكان أبوه عصمة النّاس فى المحل «2»
فأخضعت يأسا حين أيقنت أنّه ... بخيل وقد ألقوا على غاربى حبلى
ووجّهت عيسا نحو عمرو فأخمدت ... مواشكة نفرا تهيّا كالفحل
مرمّد فى عين الزّمان كأنّها ... خداريّة سفعاء تهرب من وبل «3»
الى ما جد الخدّين سبط بنانه ... اذا سئل المعروف يهتزّ كالنّصل «1»
فألقيت عمرا لا بخيلا بماله ... ولا مغلقا باب السّماحة بالقفل
ثم خرج سعيد الى الشام ومعه الرهناء، ثم خرج الى المدينة بهم وأخذ سيوفهم، وما كان عليهم من حرير وديباج، ومناطق الذهب والفضة، وألبسهم الصوف، وكان يستعملهم فى الحرث والبناء، فاجتمعوا عليه فى بيت فقتلوه وقتلوا أنفسهم، فقيل لسعيد: قتيل الصفد، «2» قال أبو الحسن: قتلوه فى مجلسه، وصاح أهله، فركب أهل المدينة، وأطافوا بالبيت والصفد فى البيت قد أغلقوه، فكشطوا ظهر البيت، فاذا هم قد قتلوه وقتلوا أنفسهم.
وقالوا: اول من شرب من نهر بلخ، مولى للحكم بن عمرو.













مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید