المنشورات

أول من اتخذا سفندرورى فيروز حصين

سمعت أبا أحمد- رحمه الله- يقول: قال الجاحظ: لما حرم الحجاج آنية الذهب والفضة ان يؤكل فيها ويشرب، قال فيروز:- وكان من أشرف أبناء ملوك فارس- فى أى الآنية آكل وأشرب؟ قيل: فى آنية القوارير. قال: تلك يعمل منها المحاجم، «1» لا أتهنى بأكل وشرب فيها، ثم خلط الذهب والفضة بالنحاس، وسماه سفندرورى، واتخذ منه آنية يأكل فيها ويشرب، وكان فيروز من أجلاء الموالى، وكان له محل فى الفرس، وفضل فى نفسه.
أخبرنا أبو أحمد قال: أخبرنا أبو اسحاق العبشمى قال: أخبرنا محمد بن يزيد قال: كان فيروز حصين جيد البيت فى العجم، كريم المحتد «2» مشهور الاباء، فلما أسلم والى حصين ابن أبى حر العنبرى، فنسب اليه، وكان جوادا شجاعا نبيل الصورة، ومن محاسنه، ان الحجاج لما حارب ابن الاشعث نادى منادى الحجاج، من أتانى برأس فيروز فله عشرون ألف درهم، ففصل فيروز من الصف، وصاح، من عرفنى فقد عرفنى ومن لم يعرفنى فأنا فيروز حصين، وقد عرفتم مالى ووفائى فمن أتانى برأس الحجاج فله مائة ألف درهم، فقال الحجاج: فو الله لقد تركنى كثير التلفت وأنا بين خاصتى، ثم أنه أتى به بعد ذلك الى الحجاج، فقال: يا فيروز! بذلت فى رأس أميرك مائة ألف درهم؟ قال: قد فعلت، قال: والله لأمدنك ثم لأسلخنك! أين المال؟ قال: عندى، فهل الى الحياة من سبيل؟ قال: لا. قال:
فأخرجنى الى الناس حتى أجمع لك، فلعل قلبك ان يرق على! ففعل الحجاج ذلك، فخرج فأحل الناس من ودائعه، واعتق رقيقه، وتصدق بماله، ثم رد الى الحجاج فقال: الآن اصنع ما شئت، فشد فى العصب الفارسى ثم شرح لحمه، ثم نضح بالخل والملح فما تأوه حتى مات.
وقريب من هذا ما أخبرنا به أبو احمد قال: أخبرنا أبو اسحاق قال: 
أخبرنا محمد بن يزيد قال: حدثنى مسعود ابن بشر قال: قال محمد بن المنتشر الهمدانى: دفع الى الحجاج أزاد مرد بن الهزير، وأمرنى أن استخرج منه وأغلظ عليه، فقال لى: يا محمد أن لك شرفا ودينا وانى لا أعطى على القوة شيئا، فاستأدنى فى رفق، ففعلت، فأدى الى فى أسبوع خمسمائة ألف درهم فبلغ ذلك الحجاج، فأغضبه وانتزعه من يدى، ودفعه الى رجل كان يتولى له العذاب، فدق يديه ورجليه، ولم يعطهم شيئا، قال محمد: فإنى فى السوق يوما فاذا صائح ينادى بى، يا محمد! فإذا هو معرض على بغل مدفوق اليدين والرجلين، فخفت الحجاج ان آتيه، فدنوت منه وملت اليه، فقال: انك وليت منى ما ولى هذا فأحسنت، وانهم صنعوا بى ما ترى، ولم أعطهم شيئا، ولى عند فلان خمسمائة ألف درهم، فخذها فهى لك، فقلت: ما كنت لآخذ على معروفى شيئا، ولا أرزئك «1» على هذه الحال شيئا، قال: فأما اذا أبيت فاسمع أحدثك.
حدثنى بعض أهل دينك، عن نبيك أنه قال: اذا رضى الله عن قوم أمطرهم المطر فى وقته، وجعل المال عند سمحائهم، واستعمل عليهم خيارهم، واذا سخط عليهم استعمل عليهم شرارهم وجعل المال عند بخلائهم، وأمطرهم المطر فى غير حينه، قال: فانصرفت، فما وضعت ثوبى حتى وافانى رسول الحجاج، فدخلت اليه والسيف بيده فقال: ما كان من حديث الخبيث؟ فقلت: أيها الأمير! ما غششتك منذ استصحبتنى، وما كذبتك منذ استخبرتنى، ولا خنتك منذ ائتمنتنى، ثم حدثته الحديث، فلما صرت الى ذكر الرجل الذى عنده المال، أعرض عنى وأومأ إلىّ بيده، وقال: ان للخبيث نفسا وقد سمع الأحاديث. 
















مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید