المنشورات

أول من وزر لثلاثة من ولد العباس محمد بن عبد الملك الزيات

وزر للمعتصم والواثق والمتوكل، وكان سبب وزارته ما أخبرنا به أبو أحمد عن الصولى عن الطيب بن محمد الباهلى عن أحمد بن سعيد بن مسلم قال: ورد كتاب من الجبل على المعتصم، يوصف فيه خصب السنة وكثرة الكلأ، فقال لأحمد بن عمارة: ما الكلأ؟ فلم يعرفه فدعا محمد بن عبد الملك فسأله عنه فقال: ما رطب من النبات فاذا جف فهو حشيش، ويسمى أول ما نبت الرطب والبقل، فقال لأحمد: أنت انظر فى الامور والدواوين والأعمال، وهذا يعرض عليه، فعرض عليه أياما، ثم استوزره، وعزل أحمد.
وكان محمد قبل ذلك يلى أمور المطبخ والفرش وكان كثير الادب جيد الشعر، فمن شعره فى جاريته شكرانه أم ابنه عمرو- وقد ماتت- وهو أجود شعر علمته فى معناه.
تقول لى الخلّان لو زرت قبرها ... فقلت: وهل غير الفؤاد لها قبر؟
على حين لم أحدث فأجهل قدرها ... ولم أبلغ السّن الّتى معها الصّبر
وكان أبوه زياتا الا أنه كان كثير المال.
وأما أحمد بن عمارة فكان أبوه طحانا من أهل المدائن، أتى البصرة فاتخذ بها ضياعا فكثر ماله.
أخبرنا أبو أحمد عن الصولى عن احمد بن محمد بن اسحاق عن محمد بن على كاتب على بن صالح الثعلبى قال: جلس أحمد بن عمارة للمظالم أيام وزارته، فتقدم اليه رجل فقال: ان كاتب عجيف وجه غلمانه فنهبوا منزلى، وأخذوا منه قيمة ثلاثين ألف دينار، فأنكر كاتب عجيف ذلك، وقال: من أين كان لك هذا المال؟ قال: أنى أقيم البينة على صحة ما أقول، فقال أحمد: لعمرى ان هذا مال جليل، ولكل شىء دليل، فمن أبوك حتى نستدل على صحة قولك؟ قال: كان أبى طحانا من أهل المذار، انتقل الى البصرة، فاتخذ بها ضياعا، ففتح الله عليه، وعلى من بعده، حتى ملكت هذا المال، وأكثر منه، فتغامز أهل المجلس، فقال:
ما علينا من أبيك هات بينتك، فقال الرجل: نعم، كان عمى زياتا كثير المال، ولا ولد له فمات، فورثته، فبلغ الخبر المعتصم، فضحك وأمر أن ينصف من كاتب عجيف، وتحدث الناس بما كان من أمر الرجل، وعجبوا من جدله وفطنته.
وكان عبد الملك الزيات يلوم ابنه محمدا على شغله بالادب وتركه للتجارة، فقال له يوما: ما أرى ما أنت فيه ينفعك، فقال: لتعلمن أنه ينفعنى، وخرج الى الحسن بن سهل، فمدحه بقصيدة أولها:
كأنّها حين تناءى خطوها ... أخنس موشىّ الشّوى يرعى القلل «1»
فأعطاه عشرة آلاف درهم فقال له أبوه: لا ألومك بعدها على شغلك بالادب.
وأخذ عليه فى هذا البيت مأخذان: أحدهما قوله: كأنها حين تناءى خطوها، فابتدأ بمضمر ووصف شيئا لم يذكره، والآخر قوله: أخنس موشى الشوى يرعى القلل، ذكر أن الثور يرعى قمم الجبال، وهذا خطأ فاحش، وانما الثور يرعى فى السهل، والاوعال تكون فى رؤس الجبال، وله فى الأول حجة، وليس له فى هذا حجة. وقال فى هذه القصيدة:
الى الوزير الحسن استجلبتها ... أىّ مناخ ومراح ومحل
سيف أمير المؤمنين المنتضى «1» ... وحصن ذى الرّياستين المعتقل
أنتم يد الملك الّذى صال بها ... خليفة الله على حين وهل «2»
وهضبة الدّين وأنصار الهدى ... وعصمة الحقّ وفرسان النّقل
فأين لا أين وأنّى مثلكم ... وأنتم الاملاك والنّاس خول «3»
فدخل يوما الحسن بن سهل على الواثق ومحمد وزيره، والواثق عليل فجعل الحسن يصف له العلل والاغذية، فقال محمد: إنى لك يا أبا محمد الطب؟
قال: قد خدمنا من كل علم رؤساء أهله. فقال محمد: متى كان ذاك؟ - واراد الوضع منه- فقال الحسن: كان ذاك أيام.
فأين لا أين وأنّى مثلكم ... وأنتم الاملاك والنّاس خول
فانخزل محمد وخجل، ولم يرد جوابا.
ومن جيد شعر محمد قوله:
مازال يقصر كلّ حسن دونه ... حتّى تطاول عن صفات النّاعت
وقوله:
كأنّ مجال الطّرف من كلّ ناظر ... على حركات العاشقين رقيب
ومثل خبره هذا مع الحسن بن سهل خبره مع اسحاق ابن الجنيد. قال لاسحاق: يا لوطى! فقال اسحاق: انما حقق على اللواط عندك قولى
قبل اللّوم والعذل ... وتخلّى عن الغزل
فاستحيى محمد وخجل.
وهذا الشعر لمحمد ويصف فيه الغلمان ومنه:
وأرى البيض قد قطعن ... من الحبل ما وصل
فابتغ وصل كلّ ذى ... هيف مشرف الكفل «1»
لا يبالى من شاب من ... عاشقيه او اكتهل
كلّما قلت سيّدى ... جدّد الوصل قد فعل
وبعد هذا أبيات سخيفة تركتها لسخفها.
وكان محمد يقول: ما رحمت شيئا قط، وانما الرحمة خور فى الطبيعة، وضعف فى البنية، «2» ومت «3» اليه رجل بجوار كان بينه وبين آبائه فقال: وما الجوار؟ انما الجوار قرابة بين الحيطان.
فلما أراد المتوكل قتله أحضر تنورا حديدا- كان محمد اتخذه ليعذب فيه ابن اسباط المصرى- فأجلس فيه فقال: ارحمونى يا هؤلاء، قالوا: هل الرحمة إلا خور فى الطبيعة، وضعف فى البنية؟ أجرينا فيك حكمك فى الناس.
فأجلس فيه الى أن مات بعد ثلاث فدفن فلم يعمق قبره، فنبشته الكلاب فأكلته.
وكان الجاحظ منقطعا اليه، فخاف ان يؤخذ مع أسبابه، فلم يتعرضوا له لعلمه، وتقدمه.












مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید