المنشورات
أول ما ظهرت الخارجية حين حكم الحكمان
أخبرنا أبو القاسم عن العقدى عن أبى جعفر عن المدائنى قال: التقى على- عليه السلام- ومعاوية بصفين فى ذى الحجة سنة سبع وثلاثين، وقيل فى محرم «3» ، وعلى فى مائة ألف، وقيل سبعين ألفا، ومعاوية فى سبعين ألفا من أهل الشام، فقتل من الفريقين سبعون ألفا، خمسة وأربعون ألفا من أهل الشام، وخمسة وعشرون ألفا من أهل العراق.
فلما كان اليوم الثالث اقتتلوا نهارا، ووصلوه بليلتهم، وهى ليلة الهرير، فقال معاوية لعمرو لئن أصبح الناس على ما هم عليه انه لفناء العرب، أو ظهور ابن أبى طالب، فهل من رأى؟ قال: نعم. تأمر اذا أصبحت برفع المصاحف، بيننا وبينكم كتاب الله.
وقيل: ان معاوية هو الذى استخرج هذا الرأى وقال: والله لا رمينهم غدا فليعلقه برأى لم يشهد ابن أمه، «1» فلما أصبح نادى من كان عنده مصحف فليعلقه فى رمحه او عنق دابته، فأصبحوا وقد علقوا مائتى مصحف «2» ، بالرماح وأعناق الخيل، وأمر ابن لهيعة، او ابن لبينة، فأوفى على شرف، ونادى: يا أهل العراق اذا قتلنا وقتلتم فمن يدفع الترك والروم عن حريمنا وحريمكم؟ بيننا وبينكم كتاب الله، فقال أهل العراق أجبنا، وأمسكوا عن القتال، فلم يقاتل أحد إلا الأشتر، وقال على للناس: أمضوا على أمركم، فانما رفعوا المصاحف ضجرا من الحرب، وان عمرا ومعاوية والضحاك وابن أبى سرح ليسوا بأهل دين ولا قرآن، قد عرفتهم صغارا وكبارا فلم أعرفهم بخير.
قالوا: لا يحل لنا قتالهم وقد دعونا الى كتاب الله، لنجيبنهم أو لننابذنك «3» قالوا: وبعث الى الاشتر فكفه عن القتال، فلما رجع الاشتر قال لهم: شاهت الوجوه، أحين علوتم ظفرا، وظنوا أنكم قاهرون، رفعوا المصاحف وهنا وضجرا، فرهبتم كتاب الله يريدونه وقد تركوا سنة من أنزل عليه؟ أخبرونى، متى كنتم محقين؟ أحين تقاتلون من حين أمسكتم؟
فقتلاكم الذين لا تشكون فى فضلهم عليكم إذا فى النار؟ والله لكنتم خدعتم فانخدعتم يا أصحاب الجباه السود، كنا نظن صلاتكم زهادة فى الدنيا، وشوقا الى لقاء الله، فلا أراكم تفرون الا الى الدنيا من الموت، ما أنتم براملين، بعد هذا اليوم غدا، فابعدوا كما بعد القوم الظالمون.
فأتى الاشعث بن قيس معاوية فقال: ما أردت برفع المصاحف؟ قال:
أردت أن نرجع نحن وأنتم الى كتاب الله، فتبعثون رجلا منكم، ونبعث رجلا منا، فيختارا لهذا الامر رجلا تصلح عليه الامة، قال: أنصفت، فرجع وأخبر الناس بقوله، فاختلفوا، فكان رأى الجمهور، وقد أنكره آخرون وهم عبادهم، وأهل البصائر منهم، وأرادوا معاودة الحرب، فأبى الناس وفارقوا عليا، وهم أربعة آلاف، وأراد الباقون عليا للتحكيم، فقال: أحكم ابن عباس، فقال: الاشتر أو الاحنف، فأبى أصحابه، وقالوا: ان لم تحكم أبا موسى لم نرم معك بسهم، فحكمه على كره منه له وللتحكيم.
وحكم معاوية عمرو بن العاص، فكتبوا بينهم كتابا فى ذلك، ورجع على- رضى الله عنه- الى الكوفة، فأقام والناس مختلفون، منهم من يرى التحكيم خطأ، ومنهم من يراه صوابا، ومعاوية بدمشق لا ينكر عليه أحد شيئا ثم اجتمع الحكمان، «1» فخلع أبو موسى عليا- عليه السلام- وأقر عمرو معاوية، فقال الذين فارقوا عليا وأنكروا التحكيم «2» قالوا لعلى: حكمت فى دين الله فتب، فقال: ما أذنبت فأتوب، وانما غلبنى الناس، فأتيت ما أتيت من ذلك كرها، ولو أردت الحرب لكان أصحابى أشد على من أهل الشام، ففارقوه وقالوا: لا حكم الا لله.
وأول من قالها بصفين عروة بن جديم، «3» وقيل يزيد بن عاصم المحاربى، ثم قاتلهم على- عليه السلام- على النهر فهزمهم، «1» وكان أميرهم أول ما اعتزلوا ابن الكواء، ثم بايعوا لعبد الله ابن وهب الراسبى، وكان أحد الخطباء الاجواد، فقال لهم عند بيعتهم إياه: إياكم والرأى الفطير، والكلام القصير، دعوا الرأى يغب، «2» فان غبوبه يكشف للمرء عن حقيقته، وكان يقول: ان ازدحام الجواب مضلة للصواب، وليس الرأى بالارتجال، ولا الحزم بالاقتضاب، فلا تدعونكم السلامة من خطأ موبق، وغنيمة تليها من غير صواب الى معاودته، «3» والتماس الريح من جهته، ان الرأى ليس ينتهى، «4» ولا هو ما أعطتك البديهة وانتزاع الخاطر، وخمير الرأى خير من فطيره، «5» ورب شىء غابه خير من طريه، وتأخيره خير من تقديمه وانما ذم الناس البديهة لان الهوى يقابلها، ومدحوا الفكر لان الرأى استيقظ له، فإذا كان الرأى هو المشاورة، فحق لما نتج ان يكون حكمة لا تخطىء، وصوابا لا يفل، وحقا لا ينازع، وكان الخوارج يذهبون الى ان كل ذنب صغير أو كبير كفر، ويرون قتل الجمهور من التابعين.
ثم تأول نافع بن الازرق- وهو الذى نسب اليه الأزارقة- قول الله تعالى رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً
تأول هذه الآية على ان قتل الأطفال، وبقر النساء عن الاجنة حلال «6» ، فلما أظهر ذلك، فارقه طائفة من أصحابه ثم قتل برستقباد «1» فولى عبد الله بن بشير فانحاز بهم الى دولاب «2» .
وكان الخوارج أشد الناس جلدا ومصابرة للأقران وكلبا اذا رأوا فرصة، فما زالوا يظهرون على كورة كورة ويليهم منهم أمير بعد أمير حتى صار الامر الى قطرى بن الفجاءة، ثم اختلفوا عليه وهو بجيرفت، «3» فارتحل بمن معه الى طبرستان وأقام طائفة منهم مع عبد ربه الصغير بجيرفت، فصار اليهم المهلب، فارتحلوا يريدون سجستان، واتبعهم فلحقهم فى بعض الطريق بعد قتال شديد، «4» وأمر فى الناس والنجدة عجيب، وخرجت طائفة منهم مع عمرو الصبا، حتى دخلوا قوس، «5» فبعث اليهم الحجاج سفيان بن الابرد فحاصرهم، (حتى جعلوا يأكلون خيولهم، ثم خرجوا اليه بأسيافهم، فقاتلوهم حتى قتلوا) «6» والتقى سورة بن الجرد مع قطرى وهو شيخ كبير، فوقعت أبهام قطرى فى فم سورة، فما زال يلوكها حتى أثخنه، وصاحت جاريته، واأمير المؤمنيناه! فعرف أنه قطرى فأقبل باذان مولى الاشاعرة، فأعان سورة عليه فقتلاه، واختلفا فى حمل رأسه، فقال رجل من الجند: ضعا رأسه على يدى حتى تتفقا، فوضعاه على يده فطار بالرأس الى سفيان بن الابرد، فأوفده الى الحجاج، فأعطاه عشرة آلاف درهم (ثم قدم باذان على الحجاج فصدقه، وأعطاه أربعة آلاف درهم) «7» وأمر لسورة بعشرة آلاف درهم، وذلك فى سنة تسع وتسعين، وروى ان معاوية أول من زعم ان الله يريد أفعال العباد كلها، وانه اول من ترك القنوت فى صلاة الغداة.
مصادر و المراجع :
١- الأوائل
المؤلف: أبو هلال
الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)
الناشر: دار
البشير، طنطا
الطبعة: الأولى،
1408 هـ
12 يوليو 2024
تعليقات (0)