المنشورات

أول ما ظهر اللواط حين كثر الغزو فى صدر الاسلام

وطالت غيبة الناس عن أهليهم، وذلك حين افتتح خراسان، وجمع البعوث فى ثغورها، وسبوا ذرارى المشركين فيها، واتخذوهم وصفاء، يخدمونهم فى خاص أنفسهم، وطالت الخلوة معهم والصحبة لهم، وعلى حسبها يكون الانس، ورأوهم يجرون مجرى النساء فى بعض صفاتهن، فطلبوا منهم ذلك الفعل فأجابوهم، وأطاعوهم للأنس الذى بينهم، لما عودوهم من شدة الانقياد لهم.
وكان ابتداؤه اول ما ظهر من خراسان فى صدر الاسلام ولم يعرف أهل الجاهلية من العرب والعجم أصلا، والدليل على ذلك أنه لم يرو فيه شعر ولا مثل، وكان من عادتهم ان يقولوا الاشعار الكثيرة فى الشىء الزهيد كقولهم فى الفأر والجوز، وحكايتهم عن لسان الضب «1» واليربوع «2» وغير ذلك، ولو كان معروفا ذلك الفعل عندهم لعيروا به أو وصفوه، فأنهم يصفون مادونه، اما ما روى عن النبى- صلّى الله عليه وسلم- او عن أمير المؤمنين على- عليه السلام- انه رأى رجلا ينكح رجلا فالقى عليهما حائطا، «3» فان المنكوح كان مبتلى بالداء الذى يسمى الابنة ولم يكن ذلك لشهوة النكاح، وقد ذكر جماعة من رؤساء العرب فى الجاهلية بهذا الداء، منهم أبو جهل، وكانت الفرس ترى على من به هذا الداء ثم مكن من نفسه ضرب الرقبة، وعلى من فعل به ذلك مثله أيضا، وكانوا يجعلون الناكح بمنزلة القاتل لانه ضيع نطفة كان يكون منها انسان، فكانوا يرون قتله لذلك.
من الشعر يذكرها الشعراء ونقاد المتأخرين بينهم، فأما العلماء باللغة والشعر القديم، فلا يعرفون هذا الاسم، ولا يدرون ما هو؟ وقال: وما جمع فنون البديع غيرى، ولا سبقنى اليه أحد، وألفته فى سنة أربع وسبعين ومائتين، وأول من نسخه منى على بن يحيى بن أبى منصور المنجم.
وكان عبد الله كثير الادب، بارعا فى الفضل، كامل الأداء فى المعرفة، وهو غاية فى الشعر لا يلحقه فيه أحد من بنى هاشم، وربما ادعى قوم لعلى بن محمد بن طباطبا مشاكلة عبد الله بن المعتز فى الشعر، وذلك أنهم رأوا لعبد الله تشبيهات فى فنون الأشياء، ورأوا لعلى بن محمد كلاما فى بعضها، فظنوا أنهما اتفقا من هذه الجهة وما كل سمراء تمرة، «1» والشأن فى الالفاظ وتسويتها وسلاستها وحلاوتها، فأما المعانى فمطرحة يتناولها كل أحد. وقد يستوى معنى كلامين وبينهما كما بين الثرى والثريا، وأين تقع ألفاظ على من ألفاظ عبد الله؟ وألفاظ على ظاهرة التكلف تعلوها مجاجة أهل الخبل، وألفاظ عبد الله فيها سلاسة أهل العراق وجزالة أهل الحجاز، فمن ذلك قوله فى متنزه ذكره:
الا ربّ يوم قد لبست ظلاله ... كما أغمد القين الحسام اليمانيا «2»
وان ثقبته العين لاقت قراره ... تخال الحصى فيها نجوما رواسيا
اذا ما تمشّت فىّ عين خريدة «3» ... فليست تخطانى الى من ورائيا
وليل كجلباب الشّباب قطعته ... بفيتان صدق يقبلون الامانيا
وأنّا رأينا المشرفيّات والقنا ... وبذل النّدى للمكرمات مراقيا «1»
وجمع سقينا أرضه من دمائه ... ولو كان عافانا قبلنا العوافيا
ودسناهم بالضّرب والطّعن دوسة ... أماتت حقودا ثمّ أحيت معاليا
وقوله:
اذا لاح روض منه ظلّل روضه ... نسيم ضعيف الجانبين رقيق
ترى هاجع الانوار ترفع جفنه ... كذى الغشى يلقى راحة فيفيق «2»
وقوله:
والرّيح تجذب أطراف الرّداء كما ... أفضى الشّقيق إلى تنبيه وسنان
وقوله:
وحلت عليها ليلة رحبيّة «3» ... اذا ما صفا فيها الغدير تكدّرا
طويلة ما بين البياضين «1» لم يكن ... ليصدق فيها صبحها حين بشّرا
كأنّ الرّباب الجون دون سحابه ... خليع منّ الفتيان يسحب مئزرا «2»
اذا لحقته لوعة من ورائه ... تلفّت واستلّ الحسام المذكّرا «3»
وقوله:
وقد علا الطّود نيلا من أصائله ... كما يصفّر فودى رأسه الخرف «4»
الى محاسن كثيرة يضيق الوقت عن استيعابها والاحاطة بكلها او بجلها وانظر الآن الى تكلف على بن محمد فى قوله يصف النجوم:
نجوم أراعى طول ليل بروجها ... وهنّ لبعد السّير ذات لعوب
كأنّ الّتى حول المجرّة أوردت ... لتكرع «5» فى ماء هناك صبيب
ولا صبح الّا رائد الرّيع «6» اذ رأى ... اوائل مرعى اللّيل غير خصيب
كأنّ رسول الفجر يخلط فى الدّجى ... شجاعة مقدام بجبن هيوب
وهذه الألفاظ لا ماء لها ولا طلاوة «1» عليها وقال:
وأصبح كالسّماء الأرض لونا ... وقد أخذت تقطّر من جمود
رخاما سقفها يحكى رخاما ... فمن ثلج وغيم ذى ركود
كأنّ الشّمس مرآة تراءى ... لنا ولها شعاع ذو خمود
متى تر شمس دجن خلف غيم ... ترى المرآة فى كفّ الحسود
تقابلها فتلبسها عشاء ... بأنفاس تزايد فى الصّعود
وهذا كما ترى شعر ساقط لا خير فى لفظه ووصفه، وكذلك أكثر شعره الا ماندر، وهو قليل. ولعبد الله من النثر ما لا يتعلق به شىء من الكلام، فمن ذلك قوله:
«العاقل من عقل لسانه، والجاهل من جهل قدره، اذا الباغى بغى عليك، قام الداعى بك، العقل غريزة يزينها التجارب، الحكمة شجرة تنبت فى القلب، وتثمر فى اللسان، النفس أدنى عدو، النصح بين الملأ تقريع، المتواضع فى طلب العلم أكثر علما، كما أن المنخفض من الارض أكثر البقاع ماء، اذا زاد العقل نقص الكلام، نعم الجهال كرياض المزابل، «2» الشفيع جناح الطالب، منع الحافظ خير من عطاء المضيع، الآمال لا تنتهى، والحى لا يكتفى، فى العواقب شاف او مريح، الدار الضيقة العمى الاصفر، المرض حبس البدن، والهم حبس الروح، المعرفة بالفضيلة عليك فضيلة منك، ثب على الفرصة او دع، «1» قلوب الاخيار حصون الاسرار، أهل الدنيا كصورة فى صحيفة لا ينشر بعضها الا اذا طوى البعض، من لم يتعرض للنوائب تعرضت له، أفقرك الولد وعاداك، من تكلف مالا يعنيه فاته ما يعنيه، الغضب ضد العقل، النار لا ينقصها ما أخذ منها، ولكن يخمدها الا أن تجدد حطبها، وكذلك العلم لا يفنيه الاقتباس منه، ولكن فقد الحاملين سبب عدمه، المعروف غل «2» لا يكفه الا الشكر او المكافأة، لا راحة لحاسد، ولا حياء لحريص، الحرمان مع الحرص، الذل مع الدين، لا يكفيك من لم تكفه» وله شىء من هذا المعنى كثير.
ولما توفى المكتفى قام العباس بن الحسن، فأمر المقتدر، وأخذ البيعة له بالخلافة، فاستخلف وهو صبى لم يبلغ، ثم قتل طائفة من الجند العباس بن الحسن، وخلعوا المقتدر، وبايعوا عبد الله بن المعتز، واستوزروا له محمد بن داود بن الجراح، فمكث بذلك ليلة، فلما كان من الغد، أنفذ عبد الله الحسين بن حمدان، فى جند الى دار المقتدر بالله، فخرج اليه الخزر والاتراك، وأخذه العامة بالضجيج وانهزم، وخرج عبد الله هاربا الى البردان «3» ، ثم جلس فى زورق صياد فعاد الى بغداد، فأدخل دار المقتدر فكان آخر العهد به، فورد على الناس ما لم يروا أعجب منه قط، وهو رجوعه الى بغداد على غير عهد ولا عقد بها، وكان قد بويع له بالخلافة، وخرج معه وجوه القواد، وكبراء الناس.
فقال الناس: لم يكن به بأس، ولكن أدركته حرفة الأدب.












مصادر و المراجع :      

١- الأوائل

المؤلف: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ)

الناشر: دار البشير، طنطا

الطبعة: الأولى، 1408 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید